أهم المذاهب والمدارس في الفلسفة اليونانية 4

0 التعليقات
    أهم المذاهب والمدارس في الفلسفة اليونانية

المرحلة ما بعد السقراطية(الذبول)

- الإهتمام بالأخلاق

في هذه المرحلة، التي يسميها المِرخون بالهلنستية، انتصر الإسكندر على الفرس وتمكن من ربط الشرق، بما فيه مصر و سورية حتى الهند بالحضارة الإغريقية، فولد مجتمع دولي جديد لعبت فيه اللغة والثقافة الإغريقيتان دورا مهيمنا، غير أنه بعد وفاة الإسكندر انتقلت الهيمنة السياسية والعسكرية إلى يد روما، وهو ما جعل الثقافة اللاتينية تتوغل عميقا داخا آسيا وتمتد غربا حتى إسبانيا، فأصبحت الثقافة اليونانية ملكا مشتركا بين جميع بلدان البحر الأبيض، فقد امتدت إلى مصر وسورية في الشرق، و روما واسبانيا في الغرب. وهكذ امتزجت الثقافة الإغريقية بالثقافة الشرقية، حيث أخذت الأولى من روحانية الشرق وعلمه، وأخذت الثانية من فلسفة الإغريق وعلومهم، وهو ما أحدث تغيرات عميقة في المجال الفكري حيث ساد الطابع التأملي للفلسفة اليونانية القديمة.
في هذه المرحلة اتجهت الفلسفة أكثر فأكثر نحو السلام و صفاء الحياة، فلم تعد قيمة الفكر الفلسفي بذاته بل بقدرته على جعل الإنسان يتحرر من قلق الموت والتشاؤم، بهذا أصبحت الأخلاق المشروع الفلسفي الأكثر أهمية في المجتمع الجديد. وفي هذا العصر برزت ثلاث مدارس رئيسية هي الأبيقورية والرواقية والشكية، وسنتناول الأبيقورية نموذجا.

المدرسة الأبيقورية:

أسسها أبيقور (341-270)، اعتبر الأخلاق محور الفلسفة وغايتها، فقد عرف الفلسفة بأنها "الحكمة العملية في توفير السعادة بالأدلة والأفكار"، فالأخلاق تهدف إلى السعادة، والسعادة تقوم في الشعور باللذة، واللذة خير و كل ما يِؤدي إليها خير أيضا، و الألم شر وكذلك ما يؤدي إليه، ولتحصيل السعادة لا بد أولا من إزالة جميع العوائق التي تعترض طريقها كالخوف من تدخل الآلهة في حياة البشر والجزع من الموت وتهيب الحياة الأخروية، فهذه المخاوف كلها باطلة، لهذا نجده يوجه فلسفته الأخلاقية ضد الأوهام والخرافات الدينية التي يرى فيها امتهانا للكرامات الإنسانية،والتحرر من هذه المخاوف التي تسترق الروح يفتح الطريق إلى السعادة. وكان هذا هو هدفه من العلم الطبيعي لهذا نجده يسخر العلوم الأخرى لخدمة الأخلاق، فالعلم الطبيعي مثلا هو مجموعة من التفسيرات القابلة للتغيير، غرضها تخليص البشر من الخوف من الظواهر الجوية والموت، كأن تكون علة الكسوف مثلا هي توسط القمر، أو توسط جسم غير منظور وقد تكون انطفاء الشمس وقتيا، و أي واحد من هذه التفسيرات يكفي لتبديد الخوف من الكسوف،وهذا هو بيت القصيد، فيتبين لنا من ذلك كيف أن العلم الطبيعي ليس مطلوبا لذاته بل لعلم الأخلاق، ومن واجبه طرد القلق والخوف من العقل ودليله على ذلك هو إن كان الموت موجودا فإننا آنذاك لا نوجد، وإن كنا موجودين لا يكون الموت موجودا. فإذا كان الموت هو انعدام الإحساس فإنه لا يؤلم، فالذي يؤلم هو توقع الموت، لذلك لا ينبغي الهروب من الحياة باسم الخوف من الموت.
كل آراء أبيقور تصب في منحى الاهتمام بالإنسان فحتى نظرته للعالم تهدف لخدمة السعادة الإنسانية. فقد رأى العالم مكونا من ذرات، وأيضا من خلاء تتحرك فيه هذه الذرات بدون علة تحكم هذه الحركة، وجعل من الثقل علة الحركة، وعلة الثقل تجعل حركة الذرات مستقيمة تتجه من أعلى إلى أسفل، غير أنها حين تسقط تنحرف كي تصطدم فتلتقي فيما بينها لتتشكل منها المركبات المادية. و يعتبر هذا الإنحراف نوعا من الإرادة في حركة الذرات، وليست إرادة الإنسان إلا هذا الإنحراف عن العلة. إذن الإرادة والحرية الإنسانية هي انحراف حاصل في هذه الذرات باعتبار أن جسم الإنسان مركب من ذرات ونفسه أيضا عبارة عن جسم يتألف من هذه الذرات التي تتناثر بعد الموت. ليكون الإنسان بذلك كائنا ضمن الطبيعة ويتميز في الوقت نفسه بالحرية و الإرادة، وهي حرية لا تخرج من الضرورة.
و محور الأخلاق الأبيقورية هو اللذة، ويرى أبيقور أن الحكيم هو من يفرق بين ثلاث أنواع من اللذات: - لذات طبيعية وضرورية للحياة(الطعام والشراب)، لذات طبيعية ولكن غير ضرورية للحياة(الأغذية المترفة)،  لذات غير طبيعية وغير ضرورية(المال والكرامات الإجتماعية)، و هو يصغي إلى الطائفة الأولى لأنها أبسط النزعات و ألزمها، تقوم بذاتها وتقوم النزعات الأخرى عليها كما أن إرضاءها سهل ميسور، وهكذا يعيش حياة راضية مطمئنة لا تشوبها حسرة أو هم وهي سعادة الفيلسوف الحقيقية.
بهذا فطلب اللذة عنده هو طلب المنفعة، يربط اللذة بالألم، على اعتبار أنه ينبغي على الإنسان أن يتحمل الألم إذا كانت نتيجته لذة أكبر، وعليه أن يتجنب الألم الذي لا يؤدي إلى مثل هذه اللذة، وعليه تجنب اللذة التي تؤدي إلى الألم لذلك لا ينبغي الإسراف في طلبها.

الرواقية:

قامت الفلسفة الرواقية على حب الحكمة و مزاولتها، و الحكمة في نظرها هي العلم الذي يهتم بالأشياء الإلهية و الإنسانية أي جميع الكائنات و الموجودات.
و يمتاز المذهب الرواقي بثلاث مسائل هي: أولا أن الفلسفة الحقيقية هي الفلسفة العملية، و ثانيا أن الفلسفة العملية هي التي تقوم على العمل المطابق للعقل، و ثالثا أن العمل المطابق للعقل هو الذي يجري بمقتضى قوانين الطبيعة. فالفلسفة في نظر الرواقيين هي أن يفعل الإنسان وفقا لقوانين الطبيعة. والحكيم أو الإنسان الكامل هو الذي يعلم أن كل شيء في الطبيعة إنما يقع وفق العقل الكلي أو الإله أو القدر الإلهي، و يقبل بمفاعيل هذا القدر طوعا، ليكون القدر كما يراه الرواقيون هو العقل الكلي الذي بموجبه وقعت الأحداث الماضية و تقع الأحداث الحاضرة و ستقع الأحداث المستقبلية، و هو العلة الوحيدة التي هي في الوقت نفسه الرابطة بين العلل و قانون سرمدي كامل و من هنا كان يستحيل على الموجودات العاقلة أن تؤثر في سيره أو تغيره أو تمسه بأي شكل من الأشكال.
و اعتقد الرواقيون أيضا أن كل البشر يشكلون جزءا من العقل الكوني وأن كل فرد هو عالم مصغر يشكل انعكاسا للعالم الأكبر الذي هو الكون مما يسمح بإقامة قانون يصلح لكل الناس هو القانون الطبيعي المبني على المبني على العقل الكوني للإنسان و للكون الذي لا يتغير بحسب الزمان والمكان. ويرى جورج طرابيشي أن هذا العقل الكوني هو الله عند الرواقيين هو محدث الأشياء وخالق العالم.
وفهم الرواقيون صلة هذا الإله بالإنسان وصلته بالعالم فهما جديدا، فهو لا يعود ذلك المتوحد الغريب عن العالم الذي يجذبه غليه بسحر جماله، و إنما هو صانع العالم بالذات، و في عقله صمم خطته، لهذا لا تتجلى فضيلة الحكيم إلا بقبول الإنسان ذلك الصنيع الإلهي و المشاركة في هذا الصنيع بما يِؤتى للإنسان فهمه.

الشكاك:

يمكن تعريف الشكية بأنها فن التصدي بكل الطرق الممكنة للظواهر و المفاهيم المحتمل الوصول بشأنها إلى أقوال متعادلة، وتدعوا إلى تعليق الحكم وتحقيق الطمأنينة . لهذا نجد بيرون في فلسفته الشكية ينطلق من الربط بين تعليق الحكم والطمأنينة. تفسير هذا هو أن الإلحاح على معرفة الأشياء و تقييمها هو السبب في اضطراب وقلق النفس، وكلما علقنا الحكم و قمنا بنوع من اللامبالاة أدى بنا ذلك إلى الإطمئنان.
و تذهب المدرسة الشكية إلى أن التفكير في الطبيعة أو الإعتقاد الدغمائي إما في خيراتها أو مساوئها يجعل الإنسان مظطربا وقلقا، لأن الآراء تتضارب حول طبيعة الأشياء بشكل تتساوى فيه الأقوال سلبا و إيجابا و هذا سبب تعليقها للحكم. و يقر الشكاكون أنهم يحسون بالظواهر لكنهم يمتنعون عن الحكم عليها لأن الحقيقة لا يمكن معرفتها ويمكن لكل الأضداد أن تنطبق على حقيقة الشيء الواحد، فالأشياء ليست جميلة في ذاتها ولا قبيحة في ذاتها ولا عادلة في ذاتها و لا ظالمة في ذاتها وهذا ما جعلهم ينتهون إلى تعليق الحكم وهو ما يسمى بالإبوخي،
على غرار القورينائية والأبيقورية يسعى الشكاك وراء اللذة لهذا فهم لا ينفعلون بشيء و لا يشغلون أنفسهم بأي موضوع كان، فنجدهم يقولون "نحن لا نبحث عن شيء ولا نهرب من شيء لأن ما بنا بنا و ما يحدث يحدث بالضرورة فلا نستطيع تجنبه و جعلوا جميعا من الشك الخير الأقصى لأن الطمأنينة تتبعه كما تتبع ظلها".

 امتزاج الفلسفة بالدين

تميزت هذه المرحلة بظهور الأديان السماوية، فتميز الفكر في هذه المرحلة بامتزاج فلسفة اليونان بالأديان السماوية المنتشرة في الشرق الأوسط عندئذ (اليهودية والمسيحية) ، وقد حاولت العديد من التيارات الفكرية الجديدة والمدارس الفلسفية الكبرى أن تشق طريقها إلى النور و أن تصب في المجرى العريض للحضارة الجديدة، فكان  هذا العصر هو عصر التداخل والتنافذ بين حضارة الإغريق و حضارة الشرق والأديان الجديدة، حيث احتل يهود الإسكندرية مكانة مرموقة في بادئ الأمر، ثم كان دور المسيحية، وأصبحنا أمام مزيج من مختلف النظريات انبثق عنه عدة اتجاهات تلفيقية أبرزها الأفلاطونية المحدثة.

الأفلاطونية المحدثة  (أفلوطين نموذج):

ظهرت الأفلاطونية المحدثة في الإسكندرية، ملتقى طرق الشرق والغرب، فيها وجدت مؤثرات دينية فارسية وبابلية، وطائفة يهودية و فرق مسيحية بالإضافة إلى خلفية عامة من الحضارة الهلنستية يقال أن مؤسسها هو أمونيوس ساكاس و لا يعرف عنه إلا القليل لكن أهم تلاميذه هو أفلوطين(204-270 ب م) ويعد من أعظم الأفلاطونيين الجدد.
تمتاز فلسفة أفلوطين بعمق الشعور الصوفي و المثالية الأفلاطونية و وحدة الوجود الرواقية ، فيرى أن المعرفة تبدأ من الذات وتنتهي إلى الله  دون المرور بالعالم المحسوس. و الإحساس لا قيمة له والمعرفة العقلية هي الأخرى لا قيمة لها ، إنما كل القيمة للتجربة الصوفية التي ترفع التعارض بين الذات والموضوع .
تعد نظرية الفيض من أهم نظرياته، وترتبط ارتباطا وثيقا بمبدإ الوجود وعلته وهو الواحد أو الأول الذي يتسم بالبساطة والكمال، وهذا الكمال هو الأصل في الفيض، غير أن هذا الفيض لا يُنقص شيئا من ذلك الأول بل يظل ثابتا. فالفيض يحدث كما يصدر النور عن الشمس دون أن يتغير جوهر الشمس، فالوجود بالقياس إلى الأول أو الواحد بمثابة شعاع الشمس من الشمس. والكائن الكامل لا يمكن أن يحبس خيره في ذاته. وأول شيء انبثق عن الأول هو العقل ويقال له الأقنوم الثاني وهو أقل من الأول كمالا لأن الإثنينية تدخل فيه لأنه مادام عقلا فذلك يستلزم معقولا أي موضوعا له وهو يعقل الأول و يتأمله، وهذا الثاني هو عقل و وجود في نفس الآن ، و يضع أفلوطين العقل في مثابة الصانع لأنه حين يفكر ينتج معقولات، وهو يجتهد قدر الإمكان ليبقى بالقرب من مصدره، فيظل في التفات دائم ليتأمله، وهكذا يفيض عن العقل الثاني أقنوم ثالث هو النفس التي تكون صورة للأقنوم الثاني، وهي آخر الموجودات في العالم المعقول أقلها كمالا لأن الكثرة فيها زادت ولأنها البعد عن الأول. ومن هده النفس الكلية فاضت فيوضات كثيرة هي نفوس الكواكب و نفوس البشر و سائر الموجودات في العالم المحسوس .

خـــــــــاتــــمة:
كانت هذه بعض أهم اتجاهات الفلسفة اليونانية التي لاقت إقبالا كبيرا في مختلف مناحي العالم و امتزجت بمختلف العقائد والديانات، ولن يقف الأمر عند حدود المسيحية بل ستتعداها إلى الديانة الإسلامية التي ستضيف عليها هي الأخرى لمستها الخاصة لترتدي الفلسفة ثوبا جديدا في العصور الوسطى، و رغم أن الثوب يتغير بتغير المكان والزمان إلا أن الروح تبقى يونانية خالصة.

أهم المذاهب والمدارس في الفلسفة اليونانية 3

0 التعليقات
    أهم المذاهب والمدارس في الفلسفة اليونانية 3


 المرحلة الكلاسيكية (النضوج)

- أفلاطون:
ولد في آثينا من أسرة عريقة النسب، تثقف كأحسن ما يتثقف أبناء طبقته، وأعجب بفضل سقراط  فلزمه، وبعد إعدام الأخير يئس من السياسة وأيقن أن الحكومة العادلة لا ترتجل ارتجالا إنما يجب التمهيد لها بالتربية والتعليم. فقضى حياته يفكر في السياسة، ويمهد لها بالفلسفة، و لم تكن له قط مشاركة عملية فيها.
لأفلاطون نظرية في المعرفة تحدث عنها انطلاقا من الجدل الصاعد، و حد الجدل بأنه المنهج الذي به يرتفع العقل من المحسوس إلى المعقول دون أن يستخدم شيئا حسيا، بل بالإنتقال من معان إلى معان وهو العلم الكلي بالمبادئ الأولى والأمور الدائمة يصل إليه العقل بعد العلوم الجزئية، ثم ينزل منه إلى هذه العلوم يربطها بمبادئها، وإلى المحسوسات يفسرها. ليكون أفلاطون أول من بحث المعرفة لذاتها، وميز فيها بين معرفة علمية ومعرفة ظنية، الأولى تقوم على التعقل فتكون صادقة بالضرورة، والثانية قائمة على الظن والتخمين لذلك تحتمل الصدق كما تحتمل الكذب.
من بين المواضيع التي عالجها أفلاطون كذلك مسألة النفس الإنسانية، فرأى أن الإنسان مؤلف من جوهرين، أحدهما منسوب إلى عالم المثل، وهو النفس والآخر منسوب إلى عالم الحس و هو البدن. والنفس موجودة قبل البدن لذلك فهي أزلية، وخالدة بعد الموت أي أبدية.
قسم أفلاطون النفس إلى ثلاث قوى هي: النفس الشهوانية والنفس الغضبية و النفس العاقلة. و قد شبه هذا التقسيم بعربة وحصانين، ليكون العقل هو العربة والشجاعة (تمثل النفس الغاضبة) توازي حصانا سهل الانقياد أما الشهوة فتماثل حصانا جموحا. و النفس العاقلة مهمتها دفع الإنسان لأن يصبح حكيما بهذا تكون فضيلتها الحكمة، و وظيفة الشجاعة، التي تمثل النفس الغاضبة، جعل النفس تطيع العقل، لتكون وظيفتها هي القدرة على الاحتمال، تبقى الشهوة التي تمثل النفس الشهوانية وما عليها إلا أن تنحني لتوجيه العقل أما فضيلتها فهي الاعتدال. و حين يقوم كل جزء من أجزاء النفس هذه بوظيفته بالمعيار الصحيح تسود فضيلة أخرى هي فضيلة العدالة.
نفس هذا التقسيم أسقطه أفلاطون على المجتمع، فما النفس كما يراها سوى تصغير للمجتمع الذي ينقسم هو الآخر إلى ثلاث طبقات، طبقة العمال الذين تسيرهم شهواتهم، وطبقة الجنود الذين يتصفون بالشجاعة، وطبقة الحكام الذين يتصفون بالحكمة. ومصلحة المجتمع أن يتولى كل فرد العمل اللائق به، ونسود العدالة الإجتماعية حين يسيطر الحكام على الجنود ويسيطر الجنود على العمال.
-أرسطو:
ثالث المفكرين العظام أسس مدرسة خاصة به هي اللوقيوم، كما أسس أرسطو فلسفته على نقد نظرية المثل الأفلاطونية، طور فلسفته في اتجاه واقعي، مع وضع إطار نظري لكل من المنطق والأخلاق و السياسة و الميتافيزيقا. وهو أول من قسم العلم إلى ميادين مختلفة و اعتبرها ثلاثة أصناف:
العلوم النظرية:
تقول على مشاهدة الكائن كما هو في ذاته بدون تدخل الإنسان، وهي تطلب لذاتها، و ليس لها تأثير على مجرى العالم و الأشياء، وهي الطبيعيات، الرياضيات والإلهيات.
العلوم العملية:
هي الصنف الثاني حسب تقسيم أرسطو، لا تطلب لذاتها بل من أجل خير الإنسان و سعادته. بالتالي لها تأثير على مجرى العالم، وتنقسم هذه العلوم إلى قسمين الأخلاق و السياسة.
العلوم الإنتاجية:
تبين كيف يمكن صنع بعض الأشياء على أكمل وجه، ويدخل فيها أرسطو الصنعة اليدوية والطب و الخطابة.
ويعتبر المنطق الأداة الضرورية لكل بحث نظري.
رأى أرسطو أن أفلاطون يظل أسير العالم الأسطوري حيث يعرض الإنسان تصوراته و يحلها محل العالم الواقعي. وإذا كان أفلاطون يرى أن كل ما نراه حولنا ليس إلا انعكاسا لشيء ما في عالم الأفكار، بالتالي في النفس الإنسانية، فإن أرسطو يرى العكس، فما هو موجود في النفس البشرية ليس إلا انعكاسا لأشياء الطبيعة، فالطبيعة وحدها هي ما يشكل العالم الحقيقي
و في حديث أرسطو عن الطبيعة نجده يقسمها قسمين، جمادات لا تملك إمكانية التحول بذاتها إنما تتحول بفعل عوامل خارجية، وهناك من جهة أخرى الأحياء وهي تحمل بذاتها إمكانية التحول، وهذه الأحياء يصنفها هي الأخرى حسب ما تستطيع أن تفعله أو مما تفعله، هناك كائنات حية تكبر وتنمو من تلقاء ذاتها، ندرج هنا النبات والإنسان والحيوان، ثم كائنات لها القدرة على إدراك العالم الخارجي وهنا نخص الحيوان والإنسان، أما الصنف الأخير فيخص الإنسان وحده لأنه الوحيد الذي يملك بالإضافة إلى التحرك في الطبيعة و بالإضافة إلى القدرة على إدراك العالم المحيط  به، القدرة على التفكير. و يضع أرسطو في أعلى السلم الإنسان لأن حياته تختصر حياة الطبيعة كلها، فهو يتغذى كالنباتات ويملك القدرة على إدراك العالم، ويمتلك قدرة استثنائية هي القدرة على التفكير العقلاني. من هنا نجد أرسطو يقسم النفس إلى نفس نامية (تشمل النبات والحيوان والإنسان)، ونفس حاسة (تشمل الحيوان والإنسان) ثم نفس عاقلة وتخص الإنسان وحده.
سفيان ايشو
تابع القراءة

أهم المذاهب والمدارس في الفلسفة اليونانية 2

0 التعليقات
  أهم المذاهب والمدارس في الفلسفة اليونانية 2

 ما قبل سقراطية (النشوء)

1.    القسم الأول: الفلسفة النظرية
- المدرسة الطبيعية:

 مميزات المرحلة:
تمثل هذه المرحلة بدء تاريخ المعرفة والفكر النظري ، وموضوع الفلسفة هنا هو الطبيعة باعتبارها المادة الحسية الوحيدة التي بدأت المعرفة الإنسانية تستمد منها أسسها الأولى، كما تتميز هذه المرحلة من التفكير الفلسفي بالوعي الفردي بالعالم بعد أن كان الوعي جماعيا بها.
على المستوى الجغرافي لم تنشأ الفلسفة اليونانية الأولى في اليونان نفسها، بل في المدن التي أشادها الإغريق بأيونية على السواحل الغربية لآسيا الصغرى التي كانت قد سبقت اليونان في التطور الاقتصادي والتجاري والثقافي والفكري، وكانت ملطية أكبر مدن آسيا الصغرى إليها ينسب ظهور أولى التعاليم المادية في أواخر القرن السابع وحتى نهاية القرن السادس قبل الميلاد، وهناك ظهرت المدرسة الطبيعية مع الفلاسفة الثلاثة طاليس، أنكسمنس، أ،كسمندريس، وسنقتصر على طاليس كنموذج

طـــــــــــالــــــــــيس:

أول الفلاسفة الملطيين، رد العالم إلى أصل واحد هو الماء، فالأشياء كلها ترجع إليه رغم الاختلافات البادية، وما يسبب الاختلاف هو تعدد الحالات التي يمر منها الأصل (الماء)، وتعدد حالات الأصل الذي هو المبدأ الأول دليل على التغير، والتغير دليل على الحركة وما دامت هناك حركة فهذا يعني أن هناك حياة، بهذا تكون المادة الأولى حية، مما ينتج عنه  أن العالم حسب طاليس حي مادام في تغير وحركة دائمين.
ومن بين الحجج التي قدمها لكي يدعم نظريته حول أصل العالم: " إن النبات والحيوان يولدان من الرطوبة، وما منه يولد الشيء فهو مكون منه، ثم إن النبات والحيوان يتغذيان بالرطوبة، ومبدأ الرطوبة هو الماء، فما منه يتغذى الشيء فهو يتكون منه بالضرورة أيضا"

- فلسفة ما بعد الطبيعة:

ظهرت في جنوب إطاليا، عارضت الرأي القائل أن الأشياء جميعا قوامها مادة ما، وسنتناول بارمنيدس كنموذج.

بـــــــــارمنــــــيـــــدس :

هو أول فيلسوف ميز بين الحس والعقل، فميز بذلك بين نوعين من المعرفة: معرفة عقلية ثابتة وكاملة، ومعرفة ظنية قائمة على العرض وظواهر الحواس، والحكيم هو من يأخذ بالأولى ويعول عليها ثم يلم بالأخرى ويقف على مخاطرها ويحاربها، فالعالم الذي يمثل لنا بالحواس هو عالم المظاهر والزيف و اللاوجود، أما العالم الحقيقي فلا نعرفه إلا بالعقل.
وإذا كان الفلاسفة الطبيعيون قد آمنوا بحركة الوجود وتغيره وتجدده، فإن بارمنيدس آمن بقدمه، فهو قديم بالضرورة وليس حادثا في زمان، فلا يمكن أن يحدث من اللاوجود، كما آمن بثباته، فالوجود واحد متجانس ساكن، وهو ساكن لأن الفضاء الكوني ملاء ولا وجود للخلاء فيها بالتالي تمتنع الحركة. كما يربط بين الوجود والفكر فالأول ضروري لوجود الثاني و لولاه ما وجد.
وميزة بارمنيدس هي أنه فيلسوف الوجود المحظ، تجاوز عالم الظواهر وبلغ الموضوع الأول للعقل  وهو الوجود وارتفع إلى مبادئ الوجود ومبادئ العقل بقوة لم يُسبق لها.

- عودة إلى العلم الطبيعي:

المدرسة الذرية:

ذهبت هذه المدرسة، بخلاف المدرسة الطبيعية الملطية، إلى  القول باستحالة التغير الكيفي للمبدأ الأول أو المادة الأولى التي صدرت عنها الموجودات. فافترضت عوضا عن ذلك وجود عدد من المبادئ الأولية ينشأ من انضمامها و انفصالها العديد من الظواهر المحسوسة في الطبيعية.
افترض المذهب الذري بأن كل شيء مركب يتشكل من عناصر صغيرة جدا، كل عنصر بمفرده دائم و أبدي، وسمت هذه الأجزاء البالغة الدقة بالذرات، بمعنى أنها غير قابلة للتجزيء، وتحتوي هذه الذرات على جميع الكيفيات الممكنة، فهي لا متناهية العدد و غير مدركة بالإحساس بل يتم تصورها بالعقل فقط، و الأشياء تتميز عن بعضها البعض بحسب اختلاف الكميات في الجزيئات المتشابهة. و هذه الجزيئات كانت مختلطة في البداية كانت عبارة عن مزيج، وهذا المزيج كان في حاجة إلى قوة تحركه، هذه القوة عبارة عن قوة عاقلة، فالعقل يدرك جميع الأشياء في امتزاجها وانفصالها و انقسامها، وهو الذي أضفى النظام في الأشياء التي كانت والتي توجد و التي سوف توجد. و العقل عبارة عن مادة لطيفة تؤثر في المزيج بحركة آلية تفصل الحار والجاف إلى الخارج. ليتجه الرطب و البارد إلى المركز، وحين ميز العقل بين الأشياء بحركته انفصل عنها جميعا، لأنه مكتف بذاته و غير ممتزج بغيره. و الحقيقة تنقسم إلى ما يسمى بالوجود يعني الذرات و اللاوجود أو الخلاء.

القسم الثاني: الفلسفة العملية

كان التفكير اليوناني يتم فيما بين آسيا الصغرى وجنوب إيطاليا وصقلية، إلا أن بوادر العظمة ظهرت في آثينا التي أصبحت عاصمة اليونان بعد أن انتصر اليونانيون على أعدائهم في آسيا في النصف الأول من القرن الخامس قبل الميلاد. فوضع بركليس على إثر هذا الحدث دستور آثينا، فأصبحت بفضل هذا الانتصار غنية جدا، مما جعل الآثينيين يعملون على الأخذ بأسباب الحضارة التي تمتع بها يونان المستعمرات، غير أن هؤلاء(أي يونان المستعمرات في آسيا الصغرى وجنوب إيطاليا) مارسوا الحكمة في عزلة وفي تأمل الطبيعة، أما الآثينيون فلم تكن هذه العزلة أمرا ممكنا لأنهم فكروا انطلاقا من واقعهم السياسي و التجاري الجديد، فالذين مارسوا الحياة العقلية في آثينا مارسوها بداية لاحتياجات أصحاب العمل و التجارة لتلك الحياة العقلية. فلم يكن غرض الناس تثقيف أبنائهم علميا، بقدر ما كان هدفهم إعدادهم للحياة العملية و تعليمهم فن الخطابة.
 و النقاش و المحاجة للتغلب على الخصم في الميدان التجاري و السياسي.
من هنا نشط الاتجاه السفسطائي، حيث أصبح السفسطائيون يعملون على توجيه الشباب للنجاح في مضمار الأعمال مقابل أجر، لتتوجه الفلسفة بهذا صوب الجدل والخطابة.

المدرسة السفسطائية:

- بروتاغوراس:

من أشهر السفسطائيين ومن أوائلهم، و من أبرز عباراته "الإنسان مقياس الأشياء جميعا، مقياس ما يوجد منها وما لا يوجد"، هي عبارة تنكر وجود حقيقة موضوعية، فكل ما يبدو للفرد هو حقيقي بالنسبة له ولا يوجد معيار ثابت يمكن الرجوع إليه لتصحيح المعرفة، فإحساسات الإنسان تختلف دائما بحسب حالاته ولأن المحسوسات ذاتها في تغير مستمر، بهذا تبطل الحقيقة المطلقة لتحل محلها حقائق متعددة بتعدد الأشخاص وتعدد حالات الشخص الواحد، بالتالي يجعل بروتاغوراس من الإحساس المصدر الوحيد للمعرفة.

- سقراط:

ولد في آثينا، فهم الحكمة على أنها كمال العلم من أجل كمال العقل، فمن الناحية العقلية أفاد من مناهج السفسطائيين حتى كون لنفسه منهجا ولم يأخذ بشكوكهم، اقتنع بأن العلم إنما هو العلم بالنفس لأجل تقويمها، و اتخذ من العبارة "اعرف نفسك بنفسك"  شعارا له.
كان لسقراط منهج جديد في البحث و الفلسفة، أما في البحث فكان له مرحلتان هما "التهكم والتوليد"، في الأولى كان يتصنع الجهل ويتظاهر بأنه سلم بأقوال محدثيه، ويطرح عليهم الأسئلة، فالتهكم السقراطي هو السؤال مع تصنع الجهل، وكان غرضه تخليص العقول من العلم السفسطائي أي العلم الزائف لينتقل بعدها إلى المرحلة الثانية وهي التوليد الذي يعني استخراج الحق من النفس، حيث كان سقراط  يجعل محاوريه يصلون إلى الحقيقة بأنفسهم وذلك عن طريق الأسئلة و الاعتراضات المرتبة بشكل منطقي.
و فيما يتعلق بالفلسفة فقد رأى أن لكل شيء طبيعة أو ماهية هي حقيقته التي يكشفها العقل وراء الأعراض المحسوسة، وغاية العلم إدراك الماهيات لذلك كان يستعين بالإستقراء ويتدرج من الجزئيات إلى الماهية المشتركة بينها.
و تميز سقراط بكونه آثر النظر في الإنسان و انحصرت الفلسفة عنده في دائرة الأخلاق، وهذا ما جعل شيشرون يقول بأن سقراط أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض؛ بمعنى أنه حول النظر من الفلك وعناصر الكون إلى الإنسان. ورأى أن الإنسان يريد الخير دائما ويهرب من الشر ضرورة، فمن تبين ماهيته وعرف خيره بما هو إنسان أراده حتما، أما الشهواني فرجل جهل نفسه و خيره فلا يعقل أنه ارتكب الشر عمدا، وعلى ذلك فالفضيلة علم والرذيلة جهل.



سفيان ايشو
تابع القراءة

أهم المدارس و المذاهب في الفلسفة اليونانية

0 التعليقات
أهم المدارس و المذاهب في الفلسفة اليونانية

 تقديم عام :

نشأت الفلسفة باعتبارها تفكيرا نظريا منظما في الكون والإنسان عند اليونان، فهم الذين أطلقوا على هذا النوع من التفكير اسم فلسفة، وقد رأى هذا المصطلح النور نحو عام 600 ق م ( القرن السادس قبل الميلاد) وقد كان تفكيرا جديدا بشكل جدري.لكن قبل ذلك كانت هناك عدة ديانات أخذت على عاتقها مهمة الإجابة عن كل الأسئلة التي طرحها الإنسان، وكانت هذه التفسيرات ذات طابع ميثولوجي؛ أي تنتقل من جيل إلى جيل بصورة أساطير.
و الأسطورة هي قصة موضوعها الآلهة، حاولت تفسير الظواهر الطبيعية و الإنسانيةّ طوال آلاف السنين بصورة حسية عرضية، فرغم أنها نتاج الخيال، وما هو جوهري فيها هو صنيع العقل الذي يتخيل، لكنه لا يعتمد جهازا آخر سوى التمثل الحسي. ومثال ذلك أن الآلهة في الميثولوجيا الإغريقية ممثلون في صورة بشرية.
ولما كان الناس دائموا الإحساس بالحاجة إلى تفسير الظواهر الطبيعية، ولما لم يكن باستطاعتهم الإستغناء عن ذلك، ولم يكن العلم موجودا، فقد اخترعوا الأساطير وتداولوها إلى أن جاء الفلاسفة الإغريق، الذين حاولوا البرهنة أنه على البشر ألا يثقوا بها. وأول نظرة ناقدة للأسطورة نجدها عند الفيلسوف "اكزينوفان" الذي عاش في نحو 570 ق م، فقال: "الناس هم الذين استحدثوا الآلهة وأضافوا إليهم عواطفهم و صوتهم و هيئتهم، فالأحباش يقولون عن آلهتهم أنهم سود فطس الأنوف، ويقول أهل تراقيا أن آلهتهم زرق العيون حمر الشعور، ولو استطاعت الثيرة والخيل لصورت الآلهة على مثالها".
وبهذا تكون الفلسفة اليونانية قد بدأت في القرن السادس قبل الميلاد، بدأت عندما حاول الناس لأول مرة أن يدلوا برد علمي عن سؤال : " ما هو تفسير العالم؟". فبحثوا في شؤون الكون و الإنسان بحثا منظما، ليخطو العقل خطوة حاسمة نقلته إلى العلم والفلسفة، حيث أصبح يطلب حقيقة الأشياء، ليكون اليونانيون بذلك هم أول من بحث في شؤون الكون و الإنسان.

نشأة الفلسفة:

و هذا التحول الفكري لم يأتي هكذا، بل ساهمت مجموعة من التطورات التاريخية في نقل الإنسان من مرحلة التفكير الأسطوري إلى مرحلة التفكير الفلسفي. فقد باشرت الفلسفة منذ ولادتها في البحث عن أجوبة أخرى على نفس الأسئلة التي طرحتها الأسطورة، لكنها تجاوزتها حين شرعت في بناء رِؤية جديدة أكثر عقلانية للإنسان تجاه مسألة الأصول (أصل العالم، أصل الكون، أصل الإنسان).أما العوامل التاريخية فمنها ما هو اقتصادي و اجتماعي وسياسي وحضاري، هي عوامل لم يتطور التفكير الفلسفي في اليونان إلا من خلال تفاعله مع نتائجها، وسنقتصر على ذكر بعض العوامل الخارجية والداخلية.
فيما يتعلق بالعوامل الخارجية نذكر التجارة البحرية التي أدت إلى توطيد علاقة اليونان بحضارات أخرى ساهمت بشكل جوهري في تحويل اليونانيين من الإيمان بالأساطير إلى الأخذ بقيم جديدة، و بفضل احتكاكها وتفاعلها مع الحضارات عرفت علاقاتها الداخلية بعض التسامح الفكري والتقدم العلمي بعد أن أغرقت في أثون الحرب المتواصلة بين آثينا و اسبارطة. أما أهم العوامل الداخلية فتتمثل في مبدإ تقسيم العمل بين عمل فكري وعمل يدوي ، بحيث تكون الفلسفة نتاج التخصص الفكري، ذلك أن اليوناني الحر وحده من له حق المواطنة والمشاركة في الأنشطة الفكرية و الفنية والحضارية لتكون الأعمال اليدوية الشاقة هي الحق الوحيد للعبيد مقابل الحفاظ على حياته.
وهدفنا من هذا المقال هو تسليط الضوء على أهم المدارس والمذاهب الفلسفية التي اختلفت باختلاف الزمان والمكان،عموما مرت الفلسفة اليونانية بثلاثة مراحل هي على التوالي: مرحلة النشوء، مرحلة النضوج، ومرحلة الذبول. وكل مرحلة من هذه المراحل تنقسم إلى قسمين، وهذا هو التقسيم الذي سنعتمد عليه في رصد أبرز المذاهب والمدارس اليونانية:

سنأتي على ذكر المدارس و المذاهب في الفلسفة اليونانية في المقال التالي



سفيان ايشو
تابع القراءة

نماذج من أعلام الفلسفة العربية الاسلامية

0 التعليقات
بعدما تحدثنا في المقال الأخير عن الفلسفة الأسلامية ويمكن مشاهدة المقال السابق من هنا 

سنأتي الأن على الحديث في النقطة الثانية وهي:
نماذج من أعلام الفلسفة العربية الاسلامية

نماذج من أعلام الفلسفة العربية الاسلامية
1.   الكندي:

1.1         نبدة عن حياته:

يعتبره محمد عبد الهادي أبو ريدة أول فلاسفة الإسلام و أول العلماء في ميدان العلوم الإنسانية، وهو من أصل عربي لذلك سموه بفيلسوف العرب كي يميزوه من فلاسفة الإسلام الغير العرب. لم تذكر كتب التأريخ تاريخ ولادته بالضبط و التاريخ المذكور هو تقريبي، فهو ولد حوالي 185 هـ و توفي و مات في أواخر القرن الثالث هجري. وعاش في العصر العباسي و كان عظيم المنزلة عند الخلفاء العباسيين لأنه كان يرضي الحاجات العلمية الفلسفية لملوك ذلك العصر إلى أن عاد سلطان مذهب أهل السنة مع المتوكل، فأصابه ما أصاب أهل النظر العقلي من غضب المتوكل، وقضى بقية حياته في عزلة فلسفية بعيدا عن بلاطات الحكم.
كان الكندي ينتمي لأسرة نبيلة غنية، استفاد من تعليم منظم كما انه تأثر بالجو الثقافي الذي كان يسود في بيوت الولاة.
بالإضافة إلى الحياة الفكرية التي كانت سائدة في البصرة آن ذاك و المناظرات الكلامية التي تزعمها كبار المعتزلة في ذلك الوقت، فانه قد عاش في ذروة حركة الترجمة و نقل النصوص اليونانية إلى العربية.

فلسفته:

ماهي الفلسفة عند الكندي؟
الفلسفة أعلى الصناعات الإنسانية، ولها شرف على جميع العلوم، تستهدف العلم بحقائق الأشياء و إصابة العلم و العمل به.
الفلسفة عنده باختصار هي "علم الحق الذي هو علة كل حق"لهذا تتجه الفلسفة عنده إلى فهم الواحد الحق، وهذا الواحد هو المبدع للكون لا على سبيل الفيض "كما سنرى عند الفارابي" بل الخلق من عدم، خلق الشيء من اللاشيء. و الفيلسوف التام هو المحيط بهذا العلم، بحيث لا يمكنه الإحاطة بعلم الأشياء إلا إذا أحاط بعلم علتها أي الواحد الحق.
موقفه من الفلسفة اليونانية:
يشعر الكندي بواجب شكر المتقدمين عن كشف شيء من الحقيقة ولو كان يسيرا، وما للمتقدمين على المتأخرين من فضل. وقد خصص في رسائله الفلسفية فقرة عنونها ب "واجب شكر السابقين، معرفة الحق أوسع من طاقة الفرد" دافع فيها عن علوم الأوائل حيث قال: " يجب ألا نذم من كنا نرى انه على خطأ صغير، و كذالك بالنسبة لمن كانت منافعهم بادية على أخطائهم، فحتى لو قصروا عن بعض الحق فقد أفادونا من ثمار فكرهم ، ففكرهم هذا هو منهج وآلة مؤدية إلى علم أغفلوه" وهكذا تكون كتب القدامى قد أمدتنا بمقدمات أفادتنا ومهدت سبل الحق .

منهجه في التأليف " تجنب كيد أعداء الفلسفة"
ذكر أراء القدامى الكاملة الصحيحة.
_إكمال ما لم يقولوه وافيا عن طريق الاجتهاد و البحث.
كان الكندي على وعي بما يمكن أن يسببه له أعداء الفلسفة المتوجين بتيجان الحق جورا على حد قوله، لأنهم يمتلكون سلطة معرفية دينية و سياسية يحتكرون الحقيقة وهم في الواقع غرباء عنها_ وسنرى في خاتمة البحث ما يمكن أن يتسببوا فيه من خسائر لأصحاب النظر العقلي_ ويصفهم الكندي  بأعداء الفلسفة، و أهل الغرابة عن الحق، و بأصحاب الفطنة الضيقة عن أساليب الحق، عاجزون عن إدراك  قيمة و جلالة أهل الاجتهاد.

وجوب اقتناء علم الفلسفة:
يؤكد الكندي أن الانفتاح على الفلسفة هو واجب إن رفض أعداؤها أو وفقوا
فهم إما أن يقولوا أن اقتناءها واجب و بالتالي وجب عيهم اقتناءها.
وإما أن يقولوا أن اقتناءها غير واجب، فيحتم عليهم أن يقدموا الدليل على رأيهم، وفي هذا الدليل لا بد لهم أن يلتمسوه عن طريق الفلسفة، و بالتالي فرفض الفلسفة هو في حد ذاته فلسفة.

سبل المعرفة:
يقيم الكندي تمييزا بين الحواس و العقل؛ فيفضل الحقائق التي يتوصل إليها بالعقل و يعتبرها الأقرب إلى الحقيقة و الطبيعة على تلك المحصلة بالحس التي يعدها غير ثابتة، يقول في هذا الصدد:
ما يدركه الإنسان و ما يعرفه نوعين:
"مادي حسي: قريب للإنسان بعيد عن الطبيعة، لان الإنسان يجده بالحس وهذا الإدراك الحسي غير ثابت" وهنا نلاحظ تأثير الأفلاطونية عليه في احتقاره للحواس وعدم الثقة فيها.
عقلي مجرد: قريب من الطبيعة بعيد من الإنسان، قريب من حقيقة الأشياء، أي إدراك العقل للكليات من أنواع الأجناس، هذه الكليات هي المعقولات الثابتة في النفس من غير مثال، كالقضايا البديهية الاضطرارية.

الفارابي:
حياته:
ولد الفارابي252هـ ، 870 مـ في مدينة فاراب التركية، من أب فارسي و أم تركية .
انتقل الفارابي إلى بغداد و درس النحو و تعلم العربية على يد النحوي المعروف بابن سراج.
لقد أعجب بأرسطو فشرح كتب المنطق شرحا منظما كاشفا غموضها و قربها من العرب، حتى سمي بالمعلم الأول.
وله عدة نظريات حول الله و العالم، حول النفس الإنسانية معرفتها الحسية و العقلية، السياسة و المدينة الفاضلة، و نظرية النبوة
و سنتطرق لنظريته حول الله و العالم كنموذج

نظريته حول الله و العالم (نموذجا)
في هذه النظرية يقسم الفارابي الموجودات لقسمين:

1. ممكنة الوجود: لا تخرج للوجود إلا بعلة هذه العلل لا تتسلسل إلى مالا نهاية بل تصل في الأخير إلى موجود واجب الوجود بذاته و هذه الموجودات الممكنة الوجود هي موجودات العالم

2. واجب الوجود: لا علة لوجوده ولا سبب له وهو بذاته كمال أسمى. وهذا الواجب الوجود هو الله وهو سبب وجود الأشياء الأخرى.

بريء من النقص، ذو كمال أعلى، وجوده أقدم الوجود، وأفضل الوجود، موجود بالفعل لا بالقوة، موجود بلا مادة ولا صورة.
هذا التعريف للذات الإلهية قريب من التعريف الذي أعطاه المسعودي في مروج الذهب " الله عز وجل لا كالأشياء، وانه ليس بجسم ولا عرض ولا عنصر ولا جزء ولا جوهر بل هو الخالق للجسم و العرض و الجزء و الجوهر، وان شيئا من الحواس يدركه في الدنيا ولا في الآخرة، وانه لا يحصره المكان، ولا تحتويه الأقطار بل هو الذي يزل ولا زمان ولا مكان ولا حد وانه الخالق للأشياء المبدع لها لا من شيء و انه القديم وما سواه محدث"   
              
نظرية الفيض:

وتعني كيف صدر هذا العالم عن السبب الأول، وهي نظرية تجد جذورها في الفلسفة الأفلاطونية المحدثة؛ فحواها أن الله يعقل ذاته، وعقله لذاته يصدر عنه هذا العالم."
الغرض من هذه النظرية تعليل صدور الكثرة الوحدة.
إن في نظرية الفارابي هذه حول العالم محاولة للجمع بين رأي أرسطو و العقيدة الدينية.
فأرسطو قال بقدم العالم و العقيدة قالت بخلقة.
حدود هذه النظرية تتجلى في عدم تقديم تفسير واضح لكيفية تولد هذه المادة من العقول.

ابن رشد

حياته:

ولد في قرطبة سنة 520 هـ 1126 م  من أسرة أندلسية عريقة معروفة بالعلم و الفقه و القضاء.
معروف أن ابن رشد هو من شراح أرسطو، إلا انه لم يكن أول الشراح، لكن طريقته في الشرح تمتاز عن طريقة الشراح الآخرين وكانت له القدرة على تنقيح الأرسطية من شوائب الأفلاطونية المحدثة، ومتى علمنا أن ابن رشد لم يقرأ أرسطو مباشرة لجهله باليونانية، بل قرأه في ترجماته العربية، فقد كابد مشقة تنقية الفلسفة الأرسطية من هذه الشوائب.

فلسفته:          
بماذا تتميز فلسفة ابن رشد؟
ابن رشد لم يدافع عن الفلسفة بالفلسفة بل دافع عنها بالفقه، فقد واجه الغزالي من داخل الشرع و بالاستناد إلى أصوله.
انتباهه إلى علاقة الدين بالمجتمع، وفرق بين الجمهور و العلماء، وقال بان إفشاء التأويل للجمهور هو سبب الفتن التي تخبط فيها المجتمع الإسلامي فالجمهور يجب أن لا يتجاوز ظاهر النص
الفلسفة بين الحكمة و الشريعة:
هل النظر في الفلسفة مباح بالشرع، أم محظور، أم مأمور به على جهة الندب أو الوجود؟
يعرف ابن رشد في فصل المقال فعل التفلسف بأنه ليس أكثر من التفكر في الموجودات من حيث هي دالة على الصانع الذي صنعها وكلما كانت المعرفة بصنعتها تامة كانت المعرفة بالصانع أتم.
وقد استشهد ابن رشد بآيات من القران الكريم ؛ كقوله تعالى:" واعتبروا يا أولو الإبصار" الحشر2
إذن فالشرع قد قرر وجوب النظر العقلي في الموجودات واعتبارها، ومعنى الاعتبار هنا هو استنباط المجهول من المعلوم بالقياس، والقياس الذي دعا إليه الشرع هو البرهان وهو أتم أنواع القياس، ولا يمكن للمرء أن يستعمل هذا النوع من القياس إلا إذا كان عارفا بباقي  أنواع القياسات.
لن نخوض في تفصيل أنواع القياسات لان ما يهمنا هنا هو انه لا يمكن التفكر في الموجودات إلا إذا تمكن الناظر من ناصية المنطق. و أن نبين أن ابن رشد لم يكن يرى أن هناك أدنى تعارض بين الفلسفة و الشريعة.
وقد جاء كتابه "فصل المقال في تقرير ما بين الحكمة و الشريعة من اتصال" على شكل فقرات يرد في كل واحدة منها على قضية من القضايا التي طرحها الرافضون لدخول الفلسفة إلى الحظيرة الإسلامية، فبعد أن عرف بماهية التفلسف، وبين أن الاعتبار لا يكون إلا بالقياس، يرد على من يقول أن القياس بدعة نظرا لأنه لم يكن في الصدر الأول، فيقول أن القياس الفقهي بناءا على هذه القاعدة بدعة أيضا لأنه لم يظهر في الصدر الأول، وبالتالي فإنه واجب بالشرع استخدام القياس العقلي تماما كما يستخدم القياس الفقهي.
وجوب الاستفادة من علوم الاوائل:
القضية الأخرى التي يتناولها ابن رشد هي وجوب الاستفادة من علوم الأوائل وكتبهم، سواء أكانوا مشاركين لنا في الملة أو غير مشاركين، وهنا يضرب ابن رشد المثال بآلة التذكية، فالمهم هو أن تكون صالحة و تتوفر فيها الشروط؛ أن تكون حادة، غير نجسة...
كذلك هو الأمر بالنسبة لكتب القدماء فإذا كان ما قالوه صوابا قبلناه ومنهم وإلا نبهنا عليه.
يفصل ابن رشد القول أيضا في الأخطاء التي قد تعترض الناظر إلى الفلسفة وما يترتب عنها من تشويه لمصداقية الفلسفة يقول بان الخطأ الذي يعترضها لا يكون من ذاتها بل بالعرض الذي ألحقه الناظر إليها، إما لسوء فطرته أو انه لم يراعي الترتيب اللازم في تعلم الفلسفة وهو البدء بالرياضيات ثم المنطق ثم الطبيعيات وأخيرا الإلهيات. و البدء بالإلهيات يقود دائما إلى الزلل.
وبالتالي فإنه إذا اخطأ الناظر في الفلسفة لا يجوز منعها عن البقية التي تتوفر فيها شروط النظر" مثل من منع العطشى من شرب الماء البارد العذب حتى ماتوا من العطش، لان قوما شرقوا به فماتوا"

طرق التصديق:

يقسم ابن رشد طرق التصديق إلى ثلاث حسب طبائع الناس
فهناك من يصدق بالبرهان، وليس كل الناس مؤهلون للتصديق بالبرهان لما في هذا القياس من عسر و صعوبة في امتلاكه.
 وهناك من يصدق بالأقاويل الجدلية، ومن يصدق بالخطابة.
ولما كان المقصود من الشرع هو تعليم الجميع كان لا بد له من أن يحيط بكل أنواع التصديق وان يستعمل الطرق الأكثر شيوعا بين الناس و ألا يغفل الخاصة، وعلى هذه الخاصة من جهتها ألا  تصرح بالتأويل للعامة لأنهم غير مؤهلين لهذا النوع من التصديق نظرا لصعوبته. "كما أن التأويل فيه نوع من إبطال الظاهر و إثبات المؤَول، فإذا بطل الظاهر عند من هو أهل للظاهر ولم يثبت المؤول عنده، أداه ذالك إلى الكفر"
إفشاء التأويل كان سببا في نشوء الفرق الكلامية التي كفرت بعضها بعضان كالمعتزلة و الأشاعرة، فكانوا اعقد من أن تفهمهم العامة، وقاصرين من حيث احترامهم لشروط البرهان بالنسبة للخاصة.

يختم ابن رشد كتابه بالتحصر على ما آلت إليه الفلسفة من تشويه بسبب من يدعون الحكمة، ويتهم الفرق الكلامية بأنها كانت السبب وراء هذا التشويه.

وفي الأخير يمكن القول على إن العلاقة التي تربط بين الفيلسوف و محيطه غالبا ما تكون متوترة قلقه، فقد يكتفي الناس بتجاهلهم أو السخرية منهم أو القول أن لغتهم غير مفهومة غامضة.وقد يبلغ هذا التوتر حد الاضطهاد من نفي و تشريد وحكم بالصمت أو القتل أو الحرق...
إن موقفهم هذا موقف مأساوي فقد كان لنفوذ الفقهاء سلطة تفوق سلطة رجال السياسة، وكانوا يحرضون الشعوب على الحاكم الذي يشجع انتشار هذه العلوم فقد اضطروا غالبا إلى إحراق كتب الفلاسفة.
فإذا أخدنا ابن رشد نموذجا فقد تكالب عليه رجال الدين و الفقهاء و ضغطوا بسلطتهم الدينية و نفوذهم الاجتماعي على الأمير المنصور لنفي ابن رشد وفي سنة563 كانت النكبة و لا يزال العرب يتحصرون على كتبه المحروقة إلى اليوم.


كافة الحقوق محفوظة 2012 © www.th3philo.comمدونة عالم الفلسفة

سياسة الخصوصية - Privacy Policy