أهم المذاهب والمدارس في الفلسفة اليونانية 3

    أهم المذاهب والمدارس في الفلسفة اليونانية 3


 المرحلة الكلاسيكية (النضوج)

- أفلاطون:
ولد في آثينا من أسرة عريقة النسب، تثقف كأحسن ما يتثقف أبناء طبقته، وأعجب بفضل سقراط  فلزمه، وبعد إعدام الأخير يئس من السياسة وأيقن أن الحكومة العادلة لا ترتجل ارتجالا إنما يجب التمهيد لها بالتربية والتعليم. فقضى حياته يفكر في السياسة، ويمهد لها بالفلسفة، و لم تكن له قط مشاركة عملية فيها.
لأفلاطون نظرية في المعرفة تحدث عنها انطلاقا من الجدل الصاعد، و حد الجدل بأنه المنهج الذي به يرتفع العقل من المحسوس إلى المعقول دون أن يستخدم شيئا حسيا، بل بالإنتقال من معان إلى معان وهو العلم الكلي بالمبادئ الأولى والأمور الدائمة يصل إليه العقل بعد العلوم الجزئية، ثم ينزل منه إلى هذه العلوم يربطها بمبادئها، وإلى المحسوسات يفسرها. ليكون أفلاطون أول من بحث المعرفة لذاتها، وميز فيها بين معرفة علمية ومعرفة ظنية، الأولى تقوم على التعقل فتكون صادقة بالضرورة، والثانية قائمة على الظن والتخمين لذلك تحتمل الصدق كما تحتمل الكذب.
من بين المواضيع التي عالجها أفلاطون كذلك مسألة النفس الإنسانية، فرأى أن الإنسان مؤلف من جوهرين، أحدهما منسوب إلى عالم المثل، وهو النفس والآخر منسوب إلى عالم الحس و هو البدن. والنفس موجودة قبل البدن لذلك فهي أزلية، وخالدة بعد الموت أي أبدية.
قسم أفلاطون النفس إلى ثلاث قوى هي: النفس الشهوانية والنفس الغضبية و النفس العاقلة. و قد شبه هذا التقسيم بعربة وحصانين، ليكون العقل هو العربة والشجاعة (تمثل النفس الغاضبة) توازي حصانا سهل الانقياد أما الشهوة فتماثل حصانا جموحا. و النفس العاقلة مهمتها دفع الإنسان لأن يصبح حكيما بهذا تكون فضيلتها الحكمة، و وظيفة الشجاعة، التي تمثل النفس الغاضبة، جعل النفس تطيع العقل، لتكون وظيفتها هي القدرة على الاحتمال، تبقى الشهوة التي تمثل النفس الشهوانية وما عليها إلا أن تنحني لتوجيه العقل أما فضيلتها فهي الاعتدال. و حين يقوم كل جزء من أجزاء النفس هذه بوظيفته بالمعيار الصحيح تسود فضيلة أخرى هي فضيلة العدالة.
نفس هذا التقسيم أسقطه أفلاطون على المجتمع، فما النفس كما يراها سوى تصغير للمجتمع الذي ينقسم هو الآخر إلى ثلاث طبقات، طبقة العمال الذين تسيرهم شهواتهم، وطبقة الجنود الذين يتصفون بالشجاعة، وطبقة الحكام الذين يتصفون بالحكمة. ومصلحة المجتمع أن يتولى كل فرد العمل اللائق به، ونسود العدالة الإجتماعية حين يسيطر الحكام على الجنود ويسيطر الجنود على العمال.
-أرسطو:
ثالث المفكرين العظام أسس مدرسة خاصة به هي اللوقيوم، كما أسس أرسطو فلسفته على نقد نظرية المثل الأفلاطونية، طور فلسفته في اتجاه واقعي، مع وضع إطار نظري لكل من المنطق والأخلاق و السياسة و الميتافيزيقا. وهو أول من قسم العلم إلى ميادين مختلفة و اعتبرها ثلاثة أصناف:
العلوم النظرية:
تقول على مشاهدة الكائن كما هو في ذاته بدون تدخل الإنسان، وهي تطلب لذاتها، و ليس لها تأثير على مجرى العالم و الأشياء، وهي الطبيعيات، الرياضيات والإلهيات.
العلوم العملية:
هي الصنف الثاني حسب تقسيم أرسطو، لا تطلب لذاتها بل من أجل خير الإنسان و سعادته. بالتالي لها تأثير على مجرى العالم، وتنقسم هذه العلوم إلى قسمين الأخلاق و السياسة.
العلوم الإنتاجية:
تبين كيف يمكن صنع بعض الأشياء على أكمل وجه، ويدخل فيها أرسطو الصنعة اليدوية والطب و الخطابة.
ويعتبر المنطق الأداة الضرورية لكل بحث نظري.
رأى أرسطو أن أفلاطون يظل أسير العالم الأسطوري حيث يعرض الإنسان تصوراته و يحلها محل العالم الواقعي. وإذا كان أفلاطون يرى أن كل ما نراه حولنا ليس إلا انعكاسا لشيء ما في عالم الأفكار، بالتالي في النفس الإنسانية، فإن أرسطو يرى العكس، فما هو موجود في النفس البشرية ليس إلا انعكاسا لأشياء الطبيعة، فالطبيعة وحدها هي ما يشكل العالم الحقيقي
و في حديث أرسطو عن الطبيعة نجده يقسمها قسمين، جمادات لا تملك إمكانية التحول بذاتها إنما تتحول بفعل عوامل خارجية، وهناك من جهة أخرى الأحياء وهي تحمل بذاتها إمكانية التحول، وهذه الأحياء يصنفها هي الأخرى حسب ما تستطيع أن تفعله أو مما تفعله، هناك كائنات حية تكبر وتنمو من تلقاء ذاتها، ندرج هنا النبات والإنسان والحيوان، ثم كائنات لها القدرة على إدراك العالم الخارجي وهنا نخص الحيوان والإنسان، أما الصنف الأخير فيخص الإنسان وحده لأنه الوحيد الذي يملك بالإضافة إلى التحرك في الطبيعة و بالإضافة إلى القدرة على إدراك العالم المحيط  به، القدرة على التفكير. و يضع أرسطو في أعلى السلم الإنسان لأن حياته تختصر حياة الطبيعة كلها، فهو يتغذى كالنباتات ويملك القدرة على إدراك العالم، ويمتلك قدرة استثنائية هي القدرة على التفكير العقلاني. من هنا نجد أرسطو يقسم النفس إلى نفس نامية (تشمل النبات والحيوان والإنسان)، ونفس حاسة (تشمل الحيوان والإنسان) ثم نفس عاقلة وتخص الإنسان وحده.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كافة الحقوق محفوظة 2012 © www.th3philo.comمدونة عالم الفلسفة

سياسة الخصوصية - Privacy Policy