أهم المذاهب والمدارس في الفلسفة اليونانية 2

  أهم المذاهب والمدارس في الفلسفة اليونانية 2

 ما قبل سقراطية (النشوء)

1.    القسم الأول: الفلسفة النظرية
- المدرسة الطبيعية:

 مميزات المرحلة:
تمثل هذه المرحلة بدء تاريخ المعرفة والفكر النظري ، وموضوع الفلسفة هنا هو الطبيعة باعتبارها المادة الحسية الوحيدة التي بدأت المعرفة الإنسانية تستمد منها أسسها الأولى، كما تتميز هذه المرحلة من التفكير الفلسفي بالوعي الفردي بالعالم بعد أن كان الوعي جماعيا بها.
على المستوى الجغرافي لم تنشأ الفلسفة اليونانية الأولى في اليونان نفسها، بل في المدن التي أشادها الإغريق بأيونية على السواحل الغربية لآسيا الصغرى التي كانت قد سبقت اليونان في التطور الاقتصادي والتجاري والثقافي والفكري، وكانت ملطية أكبر مدن آسيا الصغرى إليها ينسب ظهور أولى التعاليم المادية في أواخر القرن السابع وحتى نهاية القرن السادس قبل الميلاد، وهناك ظهرت المدرسة الطبيعية مع الفلاسفة الثلاثة طاليس، أنكسمنس، أ،كسمندريس، وسنقتصر على طاليس كنموذج

طـــــــــــالــــــــــيس:

أول الفلاسفة الملطيين، رد العالم إلى أصل واحد هو الماء، فالأشياء كلها ترجع إليه رغم الاختلافات البادية، وما يسبب الاختلاف هو تعدد الحالات التي يمر منها الأصل (الماء)، وتعدد حالات الأصل الذي هو المبدأ الأول دليل على التغير، والتغير دليل على الحركة وما دامت هناك حركة فهذا يعني أن هناك حياة، بهذا تكون المادة الأولى حية، مما ينتج عنه  أن العالم حسب طاليس حي مادام في تغير وحركة دائمين.
ومن بين الحجج التي قدمها لكي يدعم نظريته حول أصل العالم: " إن النبات والحيوان يولدان من الرطوبة، وما منه يولد الشيء فهو مكون منه، ثم إن النبات والحيوان يتغذيان بالرطوبة، ومبدأ الرطوبة هو الماء، فما منه يتغذى الشيء فهو يتكون منه بالضرورة أيضا"

- فلسفة ما بعد الطبيعة:

ظهرت في جنوب إطاليا، عارضت الرأي القائل أن الأشياء جميعا قوامها مادة ما، وسنتناول بارمنيدس كنموذج.

بـــــــــارمنــــــيـــــدس :

هو أول فيلسوف ميز بين الحس والعقل، فميز بذلك بين نوعين من المعرفة: معرفة عقلية ثابتة وكاملة، ومعرفة ظنية قائمة على العرض وظواهر الحواس، والحكيم هو من يأخذ بالأولى ويعول عليها ثم يلم بالأخرى ويقف على مخاطرها ويحاربها، فالعالم الذي يمثل لنا بالحواس هو عالم المظاهر والزيف و اللاوجود، أما العالم الحقيقي فلا نعرفه إلا بالعقل.
وإذا كان الفلاسفة الطبيعيون قد آمنوا بحركة الوجود وتغيره وتجدده، فإن بارمنيدس آمن بقدمه، فهو قديم بالضرورة وليس حادثا في زمان، فلا يمكن أن يحدث من اللاوجود، كما آمن بثباته، فالوجود واحد متجانس ساكن، وهو ساكن لأن الفضاء الكوني ملاء ولا وجود للخلاء فيها بالتالي تمتنع الحركة. كما يربط بين الوجود والفكر فالأول ضروري لوجود الثاني و لولاه ما وجد.
وميزة بارمنيدس هي أنه فيلسوف الوجود المحظ، تجاوز عالم الظواهر وبلغ الموضوع الأول للعقل  وهو الوجود وارتفع إلى مبادئ الوجود ومبادئ العقل بقوة لم يُسبق لها.

- عودة إلى العلم الطبيعي:

المدرسة الذرية:

ذهبت هذه المدرسة، بخلاف المدرسة الطبيعية الملطية، إلى  القول باستحالة التغير الكيفي للمبدأ الأول أو المادة الأولى التي صدرت عنها الموجودات. فافترضت عوضا عن ذلك وجود عدد من المبادئ الأولية ينشأ من انضمامها و انفصالها العديد من الظواهر المحسوسة في الطبيعية.
افترض المذهب الذري بأن كل شيء مركب يتشكل من عناصر صغيرة جدا، كل عنصر بمفرده دائم و أبدي، وسمت هذه الأجزاء البالغة الدقة بالذرات، بمعنى أنها غير قابلة للتجزيء، وتحتوي هذه الذرات على جميع الكيفيات الممكنة، فهي لا متناهية العدد و غير مدركة بالإحساس بل يتم تصورها بالعقل فقط، و الأشياء تتميز عن بعضها البعض بحسب اختلاف الكميات في الجزيئات المتشابهة. و هذه الجزيئات كانت مختلطة في البداية كانت عبارة عن مزيج، وهذا المزيج كان في حاجة إلى قوة تحركه، هذه القوة عبارة عن قوة عاقلة، فالعقل يدرك جميع الأشياء في امتزاجها وانفصالها و انقسامها، وهو الذي أضفى النظام في الأشياء التي كانت والتي توجد و التي سوف توجد. و العقل عبارة عن مادة لطيفة تؤثر في المزيج بحركة آلية تفصل الحار والجاف إلى الخارج. ليتجه الرطب و البارد إلى المركز، وحين ميز العقل بين الأشياء بحركته انفصل عنها جميعا، لأنه مكتف بذاته و غير ممتزج بغيره. و الحقيقة تنقسم إلى ما يسمى بالوجود يعني الذرات و اللاوجود أو الخلاء.

القسم الثاني: الفلسفة العملية

كان التفكير اليوناني يتم فيما بين آسيا الصغرى وجنوب إيطاليا وصقلية، إلا أن بوادر العظمة ظهرت في آثينا التي أصبحت عاصمة اليونان بعد أن انتصر اليونانيون على أعدائهم في آسيا في النصف الأول من القرن الخامس قبل الميلاد. فوضع بركليس على إثر هذا الحدث دستور آثينا، فأصبحت بفضل هذا الانتصار غنية جدا، مما جعل الآثينيين يعملون على الأخذ بأسباب الحضارة التي تمتع بها يونان المستعمرات، غير أن هؤلاء(أي يونان المستعمرات في آسيا الصغرى وجنوب إيطاليا) مارسوا الحكمة في عزلة وفي تأمل الطبيعة، أما الآثينيون فلم تكن هذه العزلة أمرا ممكنا لأنهم فكروا انطلاقا من واقعهم السياسي و التجاري الجديد، فالذين مارسوا الحياة العقلية في آثينا مارسوها بداية لاحتياجات أصحاب العمل و التجارة لتلك الحياة العقلية. فلم يكن غرض الناس تثقيف أبنائهم علميا، بقدر ما كان هدفهم إعدادهم للحياة العملية و تعليمهم فن الخطابة.
 و النقاش و المحاجة للتغلب على الخصم في الميدان التجاري و السياسي.
من هنا نشط الاتجاه السفسطائي، حيث أصبح السفسطائيون يعملون على توجيه الشباب للنجاح في مضمار الأعمال مقابل أجر، لتتوجه الفلسفة بهذا صوب الجدل والخطابة.

المدرسة السفسطائية:

- بروتاغوراس:

من أشهر السفسطائيين ومن أوائلهم، و من أبرز عباراته "الإنسان مقياس الأشياء جميعا، مقياس ما يوجد منها وما لا يوجد"، هي عبارة تنكر وجود حقيقة موضوعية، فكل ما يبدو للفرد هو حقيقي بالنسبة له ولا يوجد معيار ثابت يمكن الرجوع إليه لتصحيح المعرفة، فإحساسات الإنسان تختلف دائما بحسب حالاته ولأن المحسوسات ذاتها في تغير مستمر، بهذا تبطل الحقيقة المطلقة لتحل محلها حقائق متعددة بتعدد الأشخاص وتعدد حالات الشخص الواحد، بالتالي يجعل بروتاغوراس من الإحساس المصدر الوحيد للمعرفة.

- سقراط:

ولد في آثينا، فهم الحكمة على أنها كمال العلم من أجل كمال العقل، فمن الناحية العقلية أفاد من مناهج السفسطائيين حتى كون لنفسه منهجا ولم يأخذ بشكوكهم، اقتنع بأن العلم إنما هو العلم بالنفس لأجل تقويمها، و اتخذ من العبارة "اعرف نفسك بنفسك"  شعارا له.
كان لسقراط منهج جديد في البحث و الفلسفة، أما في البحث فكان له مرحلتان هما "التهكم والتوليد"، في الأولى كان يتصنع الجهل ويتظاهر بأنه سلم بأقوال محدثيه، ويطرح عليهم الأسئلة، فالتهكم السقراطي هو السؤال مع تصنع الجهل، وكان غرضه تخليص العقول من العلم السفسطائي أي العلم الزائف لينتقل بعدها إلى المرحلة الثانية وهي التوليد الذي يعني استخراج الحق من النفس، حيث كان سقراط  يجعل محاوريه يصلون إلى الحقيقة بأنفسهم وذلك عن طريق الأسئلة و الاعتراضات المرتبة بشكل منطقي.
و فيما يتعلق بالفلسفة فقد رأى أن لكل شيء طبيعة أو ماهية هي حقيقته التي يكشفها العقل وراء الأعراض المحسوسة، وغاية العلم إدراك الماهيات لذلك كان يستعين بالإستقراء ويتدرج من الجزئيات إلى الماهية المشتركة بينها.
و تميز سقراط بكونه آثر النظر في الإنسان و انحصرت الفلسفة عنده في دائرة الأخلاق، وهذا ما جعل شيشرون يقول بأن سقراط أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض؛ بمعنى أنه حول النظر من الفلك وعناصر الكون إلى الإنسان. ورأى أن الإنسان يريد الخير دائما ويهرب من الشر ضرورة، فمن تبين ماهيته وعرف خيره بما هو إنسان أراده حتما، أما الشهواني فرجل جهل نفسه و خيره فلا يعقل أنه ارتكب الشر عمدا، وعلى ذلك فالفضيلة علم والرذيلة جهل.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كافة الحقوق محفوظة 2012 © www.th3philo.comمدونة عالم الفلسفة

سياسة الخصوصية - Privacy Policy