مواقف فلسفية، العقلانية العلمية

تطرقنا في المحور الأول من مفهوم النظرية والتجربة الى مجموعة من المواقف الفلسفية التي يمكن الإطلاع عليها من هنا 
أما الان فأتركك مع المحور الثاني.

مواقف فلسفية، العقلانية العلمية





الاشكال المحوري: ما طبيعة العقلانية العلمية؟ هل هي عقلانية متعالية منغلقة على نفسها تنهل من الفلسفة و الميتافيزيقا أم أنها عقلانية منفتحة ومطبقة على الواقع و تنهل من التجربة الاختبارية ؟ هل العقل في العلم متعالي أم أنه في علاقة جدلية مع الواقع؟

اينشتاين

يدافع عن الطابع الابداعي للعقلانية العلمية ويضع المبدأ الخلاق في العقل والرياضيات مادام تاريخ العلم الحديث يشهد بأن الطبيعة أجابت دائما على أسئلة مصاغة بلغة رياضية؛ ويلتقي بذلك مع التصورات الابستملوجية التي لم تعد تعتقد في قدرة التجريب وحده على التحليل السببي للظواهر.
لاينكر إينشاتن أهمية التطابق مع التجربة كمعيار لتحديد فائدة الإنشاءات العقلية التي تظل بدون ذلك مجرد بناءات عقلية حرة، بيد أنه لايخفي مع ذلك ثقته في قدرة العقل على معرفة قوانين العالم الفيزيائي وتقديم صورة أكثر دقة عن هذا العالم الذي يشبه ساعة يدوية لاسبيل إلى فتحها، بل يتعين إنطلاقا من شكلها ومحيط دائرتها المتدرج وحركة العقارب والنبضات بناء أنساق ونماذج أقرب ماتكون إلى تمثيل الميكانيزم الداخلي المسؤول عن هذه المظاهر،
تبدو العقلانية العلمية مع أينشتاين تصديقا لحلم القدماء وطموحهم لفهم الواقع إنطلاقا من الفكر الخالص.،
ولكن ألا يسقطنا موقف إينشتاين في مزالق تصور مثالي للعقلانية العلمية؟ وهو المنزلق الذي يتهدد كل التصورات العقلانية قديما وحديثا، وذلك عندما يعتقد أن للعقل قوة خاصة به، يكتشف بواسطتها القوانين العامة للعالم الفزيائي؟
ألا ينبغي التشديد بالمقابل على الخاصية التجريبية للعقلانية العلمية؟

رايشنباخ

يرى أن المعرفة العلمية معقولة ، ولكنه ينكر أن تكون عقلانية إذا فهم من هذه الأخيرة ذلك المذهب الفلسفي الذي تجعل العقل مصدرا لمعرفة العالم الفيزيائي
إن المعرفة العلمية معقولة لأنها تستخدم العقل مطبقا على مادة الملاحظة، مادام أن الملاحظة التجريبية هي مصدر للحقيقة عند
رايشنباخ
وغيرهم من فلاسفة الوضعية المنطقية، لكنها ليست عقلانية لأنها لا تتخد العقل مصدرا للمعرفة التركيبية المتعلقة بالعالم. ويرى رايشنباخ أن القرنين التاسع عشر والعشرين قد هيأ أخيرا وسائل تنفيد برنامج الفلسفة التجريبية القائل بأن كل حقيقة تركيبية تستمد من الملاحظة وأن كل امايسهم به العقل في المعرفة ذو طبيعة تحليلية.
وإذا كانت نجاحات المنهج الفرضي الاستنباطي في الرياضيات وفي الفيزياء اللنظرية تغذي ضروب الثقة في العقل، فإن رايشنباخ لايفوته أن يعتبر علماء الرياضيات أكثر من غيرهم عرضة للسقوط في تصور صوفي مثالي للعقلانية العلمية لما يعاينونه في علمهم من نجاح لمنهج الاستنباط المنطقي والاستبصار العقلي المستغني عن الإدراك الحسي.
إن الرياضيات شأنها شأن المنطق معرفة تحليلية، بيد أن معرفة الواقع الفيزيائي تستدعي معرفة تركيبية لا غنى لها عن الملاحظة.
وهكذا تنتهي الوضعية إلى تصور "أقل عقلانية" للعقلانية العلمية.
يوجه كل من 

بلانشي وباشلار

نقدا لاذغا مزدوجا لكل من النزعتين العقلانية و التجريبية بحيث يدعوان الى عقلانية علمية منفتحة فيها حوار جدلي متواصل بين العقل و التجربة :
انها عقلانية تجريبية مستعدة دوما لمراجعة ذاتها.
فالتجربة في حاجة دائمة الى الفهم(العقل), والعقل في حاجة مستمرة للتطبيق(الواقع) فالتجربة بدون قوانين واضحة ومنسجمة لا يمكن أن تشكل موضوع تفكير.
و العقل اذ لم يستنذ الى حجج ملموسة و تطبيقات على الواقع لا يمكن له أن يقنع نهائيا.
يقول بشلار"لا تتشكل العقلانية داخل وعي معزول عن الواقع, كما أن المادية التقنية ليست على الاطلاق بواقعية فلسفية, فالماد التقنية تلائم بشكل أساسي واقعا محولا و مصححا, واقعا يحمل بامتياز طابعا عقلانيا".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كافة الحقوق محفوظة 2012 © www.th3philo.comمدونة عالم الفلسفة

سياسة الخصوصية - Privacy Policy