هايدغر و نظرته للوجود

يعتبر مارتن هايدغر أحد أهم الفلاسفة الألمان المعاصرين اللذين طبع فكرهم الفلسفة الغربية و اعتبر نقلة راديكلية في نظرته المتشائمة للوجود. و يبقى كتابه "الكينونة و الزمن " أحد أهم أعماله إذ انكب من خلاله على دراسة أنطولوجية عميقة للوجود الانساني, و خصوصا مفهوم الكينونة إذ رفض الأفكار الكلاسيكية اللصيقة بها بتأييده لمبدأ الصيرورة, حيث يؤكد أنه من غير الصحيح التحدث عن البشر على أنهم مجرد كينونات فالانسان مهما كان هو ليس "الزين" أي كينونة, بل هو "الدازين" أي المرجع المكاني حيث "دا" تعني "هناك" هناك في ذلك المكان, إذ ربطها بالكلمة الألمانية التي تعني "الكائن هناك"بمعنى أنك حيث توجد أنت, في مكان ما. بل ليس هذا فحسب إذ يعتبر هايدغر أن ما يحدد وجودنا هو أننا لسنا أبديين و غير محدودين فنحن دائما موجودون في وقت و مكان محددين, أي أن الانسان ليس مجرد كائن بشكل عام, بل هو كائن هناك فهو موجود حيث هو في هذه اللحظة, بيت القصيد هنا هو أنه يتم تحديد وجودنا على أساس حدودنا المحدودة كخليقة, و هذا بالضبط ما يولد الخوف و القلق و الحرص الذي سماه الوجودي الألماني بيزورغن :"إنه شعور عميق بالحرص و القلق بقدر ما اننا نجد أنفسنا في مكان محدد في وقت محدد و ما يزيد الأمر رهبة هو كيفية اختبارنا للشعور ب"الدازين" أو "الكائن هناك "" و هنا نرى أن هيدغر كذلك استعمل مصطلح "غيفورفنهايت" لتحديد الوجود البشري و التي بدورها تحيل على نوع من القلق و الحرص فهي تعني "تم رميه "أو بالأحرى الشعور بالرمي أو الإلقاء في الوجود, فالإنسان لم يختر أن يولد في المكان الذي يولد فيه, و لم يختر والديه أو ثقافته, فقد تم إلقاءه ببساطة في الزمان و المكان عشوائيا و من دون هدف أو سبب, أنت هناك ببساطة, و هذا ما يحدد صراع و شغف الوجود البشري. ها أنت ذا, و ها أنا ذا, أنا لا أعلم من أين أتيت, ولا أعلم إلى أين أذهب, فأنا موجود هنا معلق بنوع من الحيوية, حيث تملأني جميع هذه الهموم و المخاوف و االإنفعالات لكن لا سبب لوجودي حيثما أنا موجود في الوقت الحالي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كافة الحقوق محفوظة 2012 © www.th3philo.comمدونة عالم الفلسفة

سياسة الخصوصية - Privacy Policy