النص 1 :
”
على ماذا تتوقف هوية الشخص؟ ليس على مادة جسمه ٬ فان هذه تتجدد في بضعة
أعوام ٬ وليس على صورة هذا الجسم ٬ لأنه يتغير في مجموعه وفي أجزائه
المختلفة ٬ اللهم إلا في تعبير النظرة ٬ ذلك أنه بفضل النظرة نستطيع أن
نتعرف شخصا ولو مرت سنوات عديدة .
وباختصار،
فإنه رغم كل التحولات التي يحملها الزمن إلى الإنسان٬ يبقى فيه شيء لا
يتغير٬ بحيث نستطيع بعد مضي زمن طويل جدا أن نتعرف عليه ٬ وأن نجده على
حاله . وهذا ما نلاحظه أيضا على أنفسنا ، فقد نشيخ ونهرم ٬ ولكننا نشعر في
أعماقنا أننا ما زلنا كما كنا في شبابنا ٬ بل حتى في طفولتنا . هذا العنصر
الثابت الذي يبقى دائما في هوية مع نفسه دون أن يشيخ أو يهرم أبدا٬ هو
بعينه نواة وجودنا الذي ليس في الزمان . وقد يرى الناس عامة أن هوية الشخص
تتوقف على هوية الشعور٬ فإذا كنا نعني بهذا الذكرى المترابطة لمسار حياتنا ٬
فإنها لا تكفي لتفسير الأخرى (أي هوية الشخص) . وليس من شك أننا نعرف عن
حياتنا الماضية أكثر مما نعرف عن رواية قرأناها ذات مرة٬ ورغم ذلك فان ما
نعرفه عن هذه الحياة قليل ، فالحوادث الرئيسية والمواقف الهامة محفورة في
الذاكرة ٬ أما الباقي ٬ فكل حادثة نذكرها تقابلها آلاف الحوادث التي
يبتلعها النسيان ٬ وكلما هرمنا توالت الحوادث في حياتنا دون أن تخلف وراءها
أثرا . ويستطيع تقدم السن أو المرض ٬ أو إصابة في المخ أو حمق أن يحرمنا
كلية من الذاكرة ٬ ومع ذلك فإن هوية الشخص لا يفقدها هذا الاختفاء المستمر
للتذكر . إنها تتوقف على الإرادة التي تظل في هوية مع نفسها ٬ وعلى الطبع
الثابت الذي تمثله(…)
ولا
شك أننا قد تعودنا تبعا لعلاقتنا بالخارج أن نعتبر الذات العارفة هي ذاتنا
الحقيقية ٬ ذاتنا العارفة التي تغفو في المساء ثم تستغرق في النوم ٬
لتتألق في الغد تألقا أقوى . ولكن هذه الذات ليست سوى وظيفة بسيطة للمخ ٬
وليست هي ذاتنا الحقيقية . أما هذه ٬ التي هي نواة وجودنا ، فهي التي تختفي
وراء الأخرى ٬ وهي التي لا تعرف في قراراتها غير شيئين ׃ أن تريد أو ألا تريد .”
أرثور شوبنهاور Arthur Schopenhauer : “العالم كإرادة وتمثل”، ترجمة بوردو، 1966، ص943.
عن مقرر رحاب الفلسفة، 2باك مسلك الآداب والعلوم الإنسانية، طبعة 2007، ص 16.
النص 2:
“إن
فكرة استقلال الذات المفكرة والشخص الأخلاقي ٬ كما تمت صياغتهما من طرف
الفلاسفة ٬ لم تتحقق في الفكر الإنساني إلا في وقت متأخر. فهي بمثابة نقطة
وصول لمسار طويل في التعلم ٬ وتحقيقا للنموذج الذي ربما ينبغي على الإنسان
أن يتوجه إليه بجهده. لكن ٬ لا ينبغي أن ننسى أن تجربة الإستقلال والعزلة
لا تشكلان الواقعة الأولى في الوجود ٬ كما عاشها الناس فعليا . فالإدعاءات
الإيديولوجية حول الإنسان٬ لا يمكن بأية حال ٬ أن تنكر أشكال التضامن
البسيطة والأساسية التي سمحت لتلك التنظيمات بالبقاء٬ وللفكر أن يتشكل على
أرض بشر أحياء.
لهذا
، فإن أخلاقا ملموسة هي التي ينبغي أن تحدد الجهد المبذول لأجل الكمال
الشخصي ٬ ليس فقط في مجال الوجود الفردي٬ ولكن أيضا٬ وأولا٬ في مجال التعيش
وداخل المجموعة البشرية . وفي الحقيقة لا يتعلق الأمر هنا بنظامين مختلفين
٬ فالعالم واحد٬ وكل نشاط بشري يندرج داخل هذا العالم الذي تساهم قيمه في
النمو والإرتقاء .
يعتقد”
الفرد” أنه إمبراطور داخل إمبراطورية ٬ فيضع نفسه في مقابل العالم وفي
تعارض مع الآخرين ٬ بحيث يتصور نفسه كبداية مطلقة . وعلى العكس من ذلك ،
يدرك الشخص الأخلاقي أنه لا يوجد إلا بالمشاركة ، فيقبل الوجود النسبي ٬
ويتخلى نهائيا عن الإستكفاء الوهمي . إنه ينفتح بذاته على الكون ٬ ويستقبل
الغير. لقد فهم الشخص الأخلاقي٬ أن الغنى الحقيقي لا يوجد في التحيز
والتملك المنغلق ٬ كما لو كان بإزاء كنز خفي ٬ ولكن يوجد بالأحرى في وجود
يكتمل ويتلقى بقدر ما يعطي ويمنح .”
جورج غوسدورف Georges Gusdorf : “مقالة في الوجود الاخلاقي”، مكتبة أرموند كولان، باريز، 1949، ص: 201-202 .
- عن مقرر رحاب الفلسفة، 2باك مسلك الآداب والعلوم الإنسانية، طبعة 2007، ص18
النص 3:
“حرية
الإنسان هي حرية شخص ٬ وحرية هذا الشخص بالذات وكما هو مركب وموجود في
ذاته وفي العالم وأمام القيم . وهذا يستلزم أن تكون هذه الحرية ملازمة
إجمالا لوضعنا الواقعي ومحصورة في نطاق حدوده.
أن
تكون حرا هو أن تقبل ،في البدء، هذه الظروف لتجد فيها ارتكازا . ليس كل
شيء ممكنا، ولا هو كذلك في كل لحظة . هذه الحدود تشكل قوة عندما لا تكون
ضيقة جدا . الحرية كالجسم لا تتقدم إلا بالحواجز والاختيار والتضحية. ولكن
فكرة المجانية هنا هي فكرة وجود غني ٬ والحرية في شروط ملزمة ٬ ليست من
الآن فصاعدا” وعيا للضرورة”٬ كما سماها” ماركس”.
إن
هذا هو البداية ٬ لأن الوعي هو وعد وبادرة للتحرر . ووحده العبد من لا يرى
عبوديته ٬ مهما كان سعيدا تحت سلطتها . إلا أن هذا البدء هو بالكاد إنساني
. ولذلك ، فقبل إعلان الحرية في الدساتير أو تمجيدها في الخطابات ٬ علينا
تأمين الشروط العامة للحرية ׃ الشروط
البيولوجية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية ٬ والتي تسمح لقوى ذات
مستوى متوسط أن تشارك في أعلى نداء للإنسانية ٬ وأن نهتم بالحريات اهتمامنا
بالحرية (….).
إن
حريتنا هي حرية إنسان في موقف ٬ وهي كذلك حرية شخص تعطى له قيمة ∙ انأ لست
حرا لأني أمارس عفويتي فقط ٬ بل أصبح حرا عندما أوجه هذه العفوية في اتجاه
التحرر ، أي في اتجاه شخصنة العالم ونفسي . إذن ثمة مسافة تمتد من الوجود
المنبثق إلى الحرية ٬ وهي التي تفصل بين الإنسان الباطني على حدود الانبثاق
الحيوي ٬ والإنسان الذي ينضج باستمرار بأفعاله وفي الكثافة المتزايدة
للوجود الفردي والجماعي . وهكذا فأنا لا استعمل حريتي بدون جدوى ٬ بالرغم
من أن النقطة التي ألتحم فيها بتلك الحرية متباعدة في أعماق ذاتي . وليست
حريتي تدفقا فحسب ٬ بل هي منظمة ٬ أو بعبارة أفضل هي مطلوبة بنداء.”
إمانويل مونيي Emmanuel Mounier : “الشخصانية” Le personnalisme ، المنشورات الجامعية الفرنسية، 1995، ص 71-74 .
- عن مقرر رحاب الفلسفة، 2باك مسلك الآداب والعلوم الإنسانية، طبعة 2007، ص 20.
النص 4 :
“يعرف
الإنسان بمشروعه . هذا الكائن المادي يتجاوز دائما الوضعية التي يوجد فيها
ويحددها بالتعالي عليها لكي يتموضع بواسطة الشغل والفعل أو الحركة . ولا
يجب الخلط بين المشروع وبين الإرادة التي هي كيان مجرد ٬ وإن كان المشروع
قد يتخذ صورة إرادية في بعض الظروف . إن هذه العلاقة المباشرة مع الآخر
المغاير(…) وهذا الإنتاج الدائم للذات بواسطة الشغل والممارسة هو بنيتنا
الخاصة . وإذا لم يكن ( المشروع ) إرادة ٬ فهو ليس حاجة أو هوى كذلك . إلا
أن حاجتنا مثل أهوائنا ٬ وأكثر أفكارنا تجريدا ترجع إلى هذه البنية ٬ فهي
دائما خارجة عن ذاتها نحو (….) ذاك ما نسميه الوجود ولا نعني بذلك جوهرا
ثابتا مرتكزا على ذاته ٬ بل نعني به عدم استقرار دائم واقتلاعا لكامل الجسم
خارج ذاته .
وبما
أن هذه الوثبة نحو التموضع تتخذ أشكالا متنوعة بحسب الأفراد ٬ وبما أنها
تلقي بنا داخل مجال من الإمكانات نحقق البعض منها دون البعض الآخر ٬ فإننا
نسميها كذلك اختيارا وحرية . غير أنه يرتكب خطأ عظيم إذا ما وقع اتهامنا
بإدخال اللامعقول ، أو أننا نختلق “بداية أولى” لا علاقة لها بالعلم ، أو
أننا نمنح الإنسان حرية – صنمية . وفي الواقع ٬ لا يمكن أن يصدر هذا
الاعتراض إلا عن فلسفة آلية . ومن يوجه إلينا هذا الاعتراض ٬ إنما يريد
إرجاع الممارسة والخلق والاختراع إلى إعادة إنتاج المعطيات الأولية لحياتنا
٬ إنـه يريد تفسيـر الأثـر والفعـل أو الموقف بعــوامل إشراطـها ٬ وإن
رغبته في التفسير تخفي إرادة جعل المركب مماثلا للبسيط ٬ ونفي خصوصيات
البنيات وإرجاع التغير إلى الهوية ٬ وهو ما يمثل من جديد سقوطا في الحتمية
العلموية.
وعلى
العكس من ذلك يرفض المنهج الجدلي فكرة الاختزال ٬ واعتماد طرح معاكس ٬
يقوم على التجاوز مع المحافظة ٬ بحيث أن أطراف التناقض - الذي وقع تجاوزه -
غير قادر على بيان التجاوز ذاته ولا على التأليف اللاحق . أن هذا الأخير-
على العكس من ذلك - هو الذي يضيء هذه الأطراف ويتيح فهمها.”
* جان بول سارتر Jean Paul – Sartre : “نقد العقل الجدلي” Critique de la raison dialectique
غاليمار، 1960، ص 95.
- عن مقرر رحاب الفلسفة، 2باك مسلك الآداب والعلوم الإنسانية، طبعة 2007، ص 20.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق