مذاهب الفلسفة الإسلامية

مذاهب الفلسفة الإسلامية


ليس هنالك شك أن التفكير الفلسفي المنظم  قد بدأ عند اليونان، لقد تناولوا مواضيع الطبيعة و النفس و الالوهية بأسلوب منطقي كما أن أصالتهم تبرز في أن فلسفتهم تقوم على مسلمة مفادها أن هناك قانون أزلي ينظم سائر الظواهر ولا شيء يشد عن هذا القانون، وهكذا استبعدوا  التفسيرات السابقة للشعوب الأخرى التي لا تحمل في طياتها تبريرا منطقيا مقنعا.
وباختصار فالفلسفة اليونانية هي فلسفة عقلية، توكيدية، كونية، مؤمنة بحرية العقل، حريصة على تحقيق الانسجام والوحدة و بين المعقول و المحسوس.
انتشرت هذه العلوم في جنوب شرق البحر الأبيض المتوسط؛ منطقة ظهور الأديان، لدى كان من الضروري أن تتم مواجهة بين هذا النمط من التفكير و الدين لا سيما أن المواضيع التي يعالجانها لا تختلف كثيرا.
وسأحاول في هذا البحث أن أتناول الإشكاليات الأكثر إثارة للجدل وهي:
هل كانت شبه الجزيرة العربية مجالا غفلا لم تعرف التفكير الفلسفي إلا مع دخول علوم اليونان، و هل كان دخول هده العلوم إلى حظيرة العالم العربي تحكمه علاقة العلم باللاعلم؟
ماهي الضرورات التي دفعت بالحضارة الإسلامية إلى تقبل هذه العلوم؟
كيف قوبل هذا الفكر من قبل رجال الدين؟ كيف تعاملوا معه؟ هل صهروه بكليته في منظومتهم أم انه كانت لهم تحفظات؟
متى بدأت حركة نقل الأسفار اليونانية إلى العربية؟
ما هي أهم المدارس و المذاهب في الثقافة العربية الأسلامية؟
من هم أهم الفلاسفة و الكتب المترجمة إلى العربية؟
ما مدى موضوعية هذه الترجمة؟
و سأتطرق أيضا إلى التعريف بثلاثة أعلام من الفلاسفة العرب وهم الكندي و الفارابي وابن رشد.

 I.البدايات الأولى للمدارس الفكرية في الحضارة الإسلامية:
لم تكن شبه الجزيرة العربية منطقتا غفلا ولا مجالا معزولا، بل كانت نقطة التقاء تجارية، لم يكن سكانها معزولون عن جيرانهم من الروم و الفرس... فقد كانت الجزيرة تموج بتيارات روحية شتى مهدت لظهور الدين الجديد. فما هي ابرز هذه التيارات؟ و كيف مهدت الطريق للاسلام؟
اليهود: استقر اليهود بعد هجرتهم من فلسطين في القرن الأول و الثاني بعد الميلاد في يثرب ووادي كنانة و بني الحارث و مناطق أخرى، و اعتنق العرب النصرانية في الشام و اليمن، وكان هناك أيضا الصابئة التي كانت في بدايتها تتخذ وسائط روحية لله وتطورت فيما بعد ، قبيل ظهور الإسلام حيث اتخذت الكواكب إلها لها و توجهت إليها بالعبادة، بالإضافة إلى المجوس القائلين بالهين واحد للخير و أخر للشر ...
الحنفاء: هم أفراد من العرب اتضح لهم أن قومهم ظلوا السبيل وانحرفوا عن دين أبيهم إبراهيم، وهبوا لتبصير العرب بالحنفية الصحيحة، فنبذوا عبادة الأوثان.والعديد من التيارات الأخرى كالمانوية و الحمس...
إن هذه التيارات الروحية تتلقى كلها عند نقطة واحدة وهي الشعور بحاجة إلى عقيدة من السماء ترسي دعائم الإيمان الصحيح ، وكانت هذه النزعات بمثابة إرهاص لظهور الدين الجديد.
بعد نزول الوحي و انتشار الدين الجديد انتقل العرب من حياة البدو إلى المدينة ، وبدأوا في التفكير في تأسيس  دولة، ضمت هذه الدولة فيما بعد وفاة الرسول و خاصة بعد الفتوحات الإسلامية العديد من الأجناس و الأعراف ذات اللغات المختلفة بالإضافة إلى الأديان الأخرى التي سبقته في الانتشار "اليهودية و المسيحية" هكذا ضمت الحضارة الإسلامية أجناس عدة لكل واحدة منها حمولتها الثقافية و اللغوية فمثلا القران قبل الفتوحات الإسلامية كان يستمد إعجازه من بلاغة اللغة وتذوق النص جماليا، هذه المشروعية لم تعد كافية لإعطاء النص الديني مشروعيته لان اللغة لم تعد تستجيب إلا لجزء صغير من الأمة وهم العرب، أما الروم و العجم فكان لا بد لأرباب النظر في ذلك الوقت أن يهبوا للدفاع عن الدين فنشأ علم الكلام.
كما تجدر الإشارة إلى أن النص القرآني نص لا يقدم أطروحات مباشرة، و بالتالي فالعودة إليه ستؤدي بالضرورة إلى تأويله،

 يقول "هينري كوربان":"ان لهذا المجتمع خصوصياته فهو مجتمع عاش واقع الوحي وله كتاب مقدس ينظم الحياة الإجتماعية و الإقتصادية وحتى الحياة الأخروية و المهمة الأولى و الأخيرة هي فهم معنى هذا الكتاب،هذا الفهم يتم عن طريق التفسير الذي من خلاله ينفتح المعنى الحقيقي للنص هذه الحقيقة هي حقيقة الإيحاءات الإلهية وهي أيضا حقيقة الوجود بأكمله".

 وحاجة المسلمين للتأويل ظهر بعيد وفاة النبي الذي كانت له صلاحيات دينية و سياسية في الوقت نفسه، فطرح سؤال ماهي الصلاحيات التي يجب أن تعطى للخليفة؟ هل سياسية أو دينية أم هما معا؟ و على أي أساس سيختار الخليفة؟ هل هو الأساس القبلي الذي مثله أبو بكر "منا الرسول فنحن أحق بمقامه" أم سيكون من سكان المدينة الأصليون وهم الأنصار... تعقدت مشكلة الخلافة فتفرق المسلمون إلى فرق؛  الأمويون و الهاشميون و الأنصار و العدنانيون و المهاجرين ، كل واحدة منهم تدعم موقفا كلاميا اختلطت فيه الايدولوجيا السياسية بالدين، ثم تطور النقاش فيما بعد إلى المستوى الفلسفي بعدما اصطدمت بالفلسفة اليونانية و المنطق الأرسطي .
بعد تعرفنا على الحاجة التي دفعت أرباب النظر من لمسلمين إلى الانفتاح على الفلسفة اليونانية ينبغي أن نطرح ألان سؤال كيف انتقلت هذه العلوم إلى اللغة العربية و ماهي أهم المواضيع التي اهتم بها المترجمون؟
أ‌.الترجمة:
بدأت حركة الترجمة في زمن بني أمية، وبلغت ذروتها في العصر العباسي مع الخليفة "المأمون". حيث يروي لنا ابن النديم في كتابه الفهرست أن المأمون قد رأى في منامه أرسطوطاليس الذي أوصاه بان الشيء الحسن هو الحس في نظر العقل و الشرع و الجمهور، وهذه العناصر الثلاث هي التي كانت تقض مضجعه، لان عصره كانت تمزقه الصراعات بين أصحاب النظر العقلي و الديني. وكان هذا المنام سببا في أن الخليفة حمل هم نقل الكتب إلى العربية وشجع عليها بتأسيسه لبيت الحكمة عام 215هـ و تشجيعه للتيار العقلاني المعتزلي في مقابل الفئات السنية المحافظة ومحاربته للتيار الغنوصي الذي يدعمه الفرس من اجل الاستيلاء على المنطقة العربية الإسلامية.
أول العلوم التي  استوعبتها الفلسفة الإسلامية هي المنطق و الرياضيات، "وقد اهتموا بكل ماهو صادر عن العقل اليوناني، لا بما هو صادر عن الروح اليونانية من شعر و فن"
اهتم الشراح المسلمون منذ وقت مبكر بدراسة المنطق الأرسطي، إلا أنهم تعاملوا معه كمنهج للتفكير في المشكلات و المسائل الدينية، فالمنطق ليس حكرا على الفلاسفة فقط بل هو آلة للفكر تناوله المسلمون من الجانب الآلي فما يهم هو المنهج لا الموضوع لان الموضوع يثير الماهية. ومن ابرز الأعلام الفكرية في الإسلام التي اهتمت بالمنطق هو الغزالي إذ رغم انه شن هجوما عنيفا على الفلاسفة و الفلسفة إلا انه استثنى المنطق من هذا الهجوم يقول في مقاصد الفلاسفة" أن أكثرها على منهج الصواب و الخطأ فيها نادر و إنما يخالفون أهل الحق بالاصطلاحات و الإيرادات دون المعاني و المقاصد إذ غرضها تهذيب طرق الاستدلال"
في المقال المقبل سنتطرق الى أهم المدارس و المذاهب  في الفلسفة العربية الإسلامية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كافة الحقوق محفوظة 2012 © www.th3philo.comمدونة عالم الفلسفة

سياسة الخصوصية - Privacy Policy