مواقف فلسفية، العدالة كأساس للحق.

مواقف فلسفية، العدالة كأساس للحق.

 العدالة كأساس للحق.

يظهر مفهوم العدالة مرتبطا بمفاهيم أخرى خصوصا في المجتمع، وارتباطها بحقوق الإنسان وبالأخلاق ومن ثمة تطرح التساؤلات التالية نسفها : هل هناك فعلا عدالة ؟ أم أن العدالة مجرد مثال يصعب حقيقة الوصول إليه ؟ هل العدالة قيمة مطلقة أم نسبية ؟ و أخيرا ما هو البعد الأخلاقي للعدالة باعتبارها قيمة ؟ 


لقد كان السوفسطائيون من أوائل من عالجوا إشكالية العدالة، فكانوا يعتبرون الفرد مقياس كل شيء وعلى هذا الأساس اعتقدوا أن العدالة غير موجودة أو على الأرجح إنها مفهوم غامض وقيمة لا يؤمن بها الضعفاء، وقد أتت الأطروحة الأفلاطونية لتصحح الفكر السوفسطائي، علما أن أفلاطون لايؤمن بالمفهوم الديمقراطي للعدالة، حيث أكد أفلاطون بصريح العبارة أن العبيد واهمون حينما يعتقدون في المساواة لأن العدالة لا يمكنها أن تكون كذلك أبدا لأن الناس خلقوا غير متساويين بطبعهم، ومن ثمة فإن العدالة تتجسد عمليا في المجتمع إذا انصرف كل واحد إلى ما هو مؤهل له بطبعه، فيجب أن يكون التقسيم الطبقي للمجتمع متطابقا مع تقسيم قوى النفس، القوة الشهوانية، القوة الغضبية، والقوة العاقلة، والحكمة تقتضي أن تخضع القوتان الشهوانية والغضبية إلى القوة العاقلة لتصل القوة الغضبية إلى فضيلتها التي تتجلى في الشجاعة .

إن قيمة العدالة هي التي توجه قوى النفس وتضمن تراتبيتها باعتبارها فضيلة الفضائل، وعلى غرار ذلك لا يمكن أن تضمن مدينة مثالية في نظر أفلاطون دون أن يضم المجتمع ثلاث طبقات ( علاوة على طبقة العبد ) وهي : طبقة العامة وطبقة الجند وطبقة الحكام، وهم الفلاسفة الذين عليهم الانصراف إلى إدراك العدالة كقيمة عليا ترتبط بعالم المثل.

أما أرسطو وإن كان هدفه محاربة الفكر السوفسطائي، إلا أنه يختلف مع أفلاطون في تمثله للعدالة، حيث يرى أرسطو أن العدالة تتمثل نظريا في الوسط الذهبي ( لا إفراط ولا تفريط ) الذي يستطيع وحده أن يضمن الفضيلة، وعلى هذا تتأسس العدالة العملية التي تتجلى في توزيع الثروات بين الأفراد بطريقة رياضية تناسبية، بمعنى أن العدالة تقتضي أن يتقاسم الأفراد بينهم بطريقة عادلة الصالح والطالح، كما تتجلى في سن قوانين كفيلة بضمان الأمن والسكينة لسكان المدينة وتقوم العلاقات بين أفراد المجتمع على صداقة حقيقية ومثالية، لأن المؤسسة والقوانين لا يمكن أن تكون مصدرا للعدالة ما لم تكن مؤسسة على الطبيعة، ولن تكون هناك عدالة ما لم توجد طبيعة صانعة لها، من هنا ضرورة الفصل بين العدالة والمنفعة وهو فصل يؤسس لفضيلة مبنية على الحب والاحترام كأساس للحق، وفي هذا الصدد نجد " شيشرون " cioceron يؤكد أن هناك معيار أساسي للتمييز بين القوانين حيث يقول : " فلكي نميز قانونا حسنا عن آخر قبيح لا نتوفر عن قاعدة غير طبيعية "، وسيكون من باب الحماقة الاعتقاد بأن هذه التمييزات تقوم على الحب والإخاء، فأساس الفضائل هو حب الناس هو أساس الحق ومتى قام الحق على الطبيعة الخيرة للإنسان كان ملزما.

ويعتبر سبينوزا من الفلاسفة الذين تبنوا أطروحة الحق الطبيعي ودعا على تأسيس الحق الديمقراطي، وأكد أن هذا الحق يتلخص في أن لكل موجود حق مطلق في البقاء على وضعه، وليس هناك فرق بين الإنسان والكائنات الأخرى، فلذا كل الحق في أن يتصرف وفق ما تشتهيه وتمليه عليه طبيعته، فمن هو بطبعه ميال إلى " منطق الشهوة " يتصرف وفق هذا المنطق ( الغاية تبرر الوسيلة ) ومن ينزع بطبعه نحو " منطق العقل " فإنه يتصرف وفق هذا النزوع، لكن لكي يعيش الناس في وفاق وأمان كان لزاما عليهم أن سعوا إلى التوحد في نظام واحد، وذلك من خلال الخضوع لمنطق العقل وحده، وبالتالي كبح جماح الشهوة وهذا أمر لا يتناقض مع الحق الطبيعي باعتبار العقل جزءا منه، وسبينوزا ينظر للعدالة باعتبارها تتضمن حق كل واحد في الحفاظ على حياته ومصلحته بالتساوي.

كما تعتبر فكرة الحق الطبيعي القاعدة المطلقة لكل تشريع والنواة الحقيقية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقد شكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مرجعا دوليا لما يحتويه من حقوق لا يجوز التصرف فيها ويتوخى منه أن يكون معيارا مشتركا تقيس به كافة الشعوب والأمم منجزاتها قصد التأسيس والاعتراف بحقوق الإنسان و.........، المبنية على العدالة والمساواة وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة للإعلان العالمي الإنسان وما يتضمنه من حقوق لا يجب محاكمتها باسم تجريديتها وباسم ما هو كائن إذ تبقى هذه الحقوق على مثاليتها المعيار الذي تحاكم من خلاله الحقوق الفعلية المتاحة في الدول المعاصرة وتبقى هذه الحقوق المثال الذي تسعى الإنسانية إلى تحقيقه على أرض الواقع عبر إزالة كل العراقيل المناوئة لها 
وإذا أردنا تناول قيمة العدالة كأساس الحق من منظور ليبرالي فلا يمكننا أن نمر دون التطرق لأطروحة فريديريك فون هايك الذي عرف السلوك العادل بأنه سلوك يكفل الحق في منظومة قانونية ، شرعية ، في إطار مجتمع تسوده الحرية حيث لا تعكس العدالة دلالتها إلى في نظام شرعي فالقانون الذي يستند على قواعد العدالة له مقاما استثنائيا لا يجعل الناس يرغبون في أن يحمل إسما مميزا فحسب بل يدفعهم أيضا إلى تمييزه بوضوح عن تشريعات أخرى تسمى قوانين ولعل مبرر ذلك يكمن في أنه لو شئنا الحفاظ على مجتمع تسوده الحرية فإن ذلك القسم من الحقوق الذي يقوم على القواعد العادلة هو وحده الكفيل بأن يكون ملزما للمواطنين ومفروضا على الجميع.
وفي نفس السياق يؤكد الآن أن الحق لن يكون عادلا ما لم يتم الاعتراف به من طرف السلطة القائمة ، إن عدالته مبنية على الاعتراف به وإلا حصل العكس حيث القوة تؤسس لحق طبيعي ، لكنه غير عادل ويدعم الآن موقفه ، هذا بأمثلة بسيطة من الواقع المعيش ، فحيازة ساعة ووجودها في جيب اللص ليس في أمر الملكية مطلقا ، ويؤكد الآن على المساواة كأساس للحق حيث ابتكر الحق ضد اللامساواة والقوانين العادلة هي التي يكون الجميع أمامها سواسية ، سواء كانوا رجالا أو نساء أو أطفالا أو مرضى أو جهالا أما أولئك الذين يقولون حسب الآن أن اللامساواة من طبيعة الأشياء فهم يقولون قولا بئيسا .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كافة الحقوق محفوظة 2012 © www.th3philo.comمدونة عالم الفلسفة

سياسة الخصوصية - Privacy Policy