الفلسفة الوضعية

الفلسفة الوضعية


تعتبر الفلسفة الوضعية المنطقية امتداداً للفلسفة الوضعية (الشكلية) التي أسسها  اوغست كونت، وهي فلسفة ظهرت في القرن العشرين, أسسها  موريس شليك عام /1929/, وتبناها عدد من المفكرين والفلاسفة من أبرزهم رودولف كارتاب, و برتراند رسل.‏
حملت هذه الفلسفة أسماءً عدة منها: التجريبية العلمية, التجريبية المنطقية, حركة وحدة العلم والتجريبية الحديثة, الفلسفة التحليلية.‏
إن أبرز ما يطرحه دعاة هذا التيار الوضعي الحديث او المنطقي, هو التأكيد على أن معرفتنا عن العالم تأتي عن طريق ( التجربة) وحدها, وأن الفلسفة تقوم بالتحليل المنطقي شأنها شأن بقية العلوم, معتمدين في ذلك على المنطق الرياضي المعاصر آنذاك, (نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ), حيث ظهر في تلك الفترة ما سمي (بالمنطق الرياضي أو الرمزي) .‏
يقول  برتراند رسل : بإمكانية إرجاع كافة المفاهيم الرياضية إلى علاقات تقوم بين الأعداد الطبيعية, وأن هذه العلاقات ذات طبيعة منطقية بحتة. ونتيجة لذلك افترض راسل أنه يمكن استنباط الرياضيات كلها من المنطق .‏
أمام هذه التصورات ,( فعالية المنهج التحليلي المنطقي ), راح راسل بعيداً ليقول أيضاً بإمكانية حل المسائل الفلسفية, وأن المنطق هو لب الفلسفة. بينما أعلن تلميذه  فيتجنشتين أن الفلسفة ليست نظرية, وإنما هي فعالية, وهذه الفعالية تكمن في نقد اللغة, أي التحليل المنطقي لها. فالفلسفة التقليدية برأيه تقود إلى الاستعمال غير الصحيح للغة, لذلك قال بضرورة وضع لغة كاملة تنص عباراتها إما على أحكام بخصوص الوقائع, ( العلوم التجريبية), أو على تحصيل حاصل كما في الرياضيات والمنطق.‏
إن ما يجمع أصحاب التيار الوضعي, هو :‏
1 - إيمانهم بأن مهمة الفلسفة هي تحليل لما يقوله العلماء, لا التفكير التأملي الذي ينتهي بالفيلسوف إلى نتائج يصف بها الكون ونتائجه.‏
2- ضرورة حذف الميتافيزيقيا من مجال الكلام المشروع, لأن تحليل عباراتها الرئيسية تحليلاً منطقياً قد بين أن عبارات مثل ( الضرورة ? الجوهر ? الضمير..الخ) لا معنى لها, وبالتالي لا يمكن وصفها بالصواب .‏
3- ضرورة الاتفاق على أن العلاقة بين السبب والمسبب هي علاقة ارتباط في التجربة, لا علاقة ضرورة عقلية.‏
4- ضرورة اعتبار القضايا الرياضية وقضايا المنطق الصوري, تحصيل حاصل لا تضيف للعلم الخارجي علماً جديداً. فالقضية الرياضية مثل: 2=2=4, ما هي إلا تكرار لحقيقة واحدة, أو لرمزين مختلفين .‏
5- كل شيء لا يخضع للتجربة والتحليل غير مفكر به.‏
6- ضرورة التأكيد على أن وظيفة الفلسفة وعملها هو تحليل المعرفة, وبخاصة المتعلقة بالعلم, وأن المنهج المتبع هو تحليل لغة العلم .‏
نقد الفلسفة الوضعية :
بالرغم من تبني هذه الفلسفة للعلم واعتباره هو المنطلق الأساس وربما الوحيد عند بعض مفكري هذا التيار في تفسير حركة الواقع بشقيه الطبيعي والاجتماعي, وكذلك هو المنطلق في إعادة بناء المجتمع من جديد بصورة تخدم تطور الإنسان وتحقيق سعادته ورفاه, غير أنها ظلت تدور في نطاق الفلسفات التجريبية المثالية لعلم الاجتماع البرجوازي, حيث أن دارسة الكثير من الوقائع المحدودة الزمان والمكان, لم تضع في حسبانها استنتاجات عامة تتعلق بالنواحي الرئيسية لقوانين حياة المجتمع, ويأتي على رأسها قوانين الصراع الطبقي, والتناقضات الاجتماعية الرئيسة, بل ظلت تدور في نطاق إجراءات خاصة وتكنيك البحث التجريبي الذي يشمل: الملاحظة, المعالجة الإحصائية للمواد المجمعة, ووضع المدارج والخطوط البيانية . الخ. هذا ويرى الوضعيون أن المفاهيم العامة مثل : ( قانون التطور الاجتماعي, الطبقة, الأمة, الرأسمالية, الاشتراكية, الفاشية, الديمقراطية, وغيرها من المفاهيم لا تخضع للاختبار التجريبي, ولا تحس بها الذات بشكل مباشر, لذلك لا يمنك التثبت من صحتها أو بطلانها, ومن الواجب حسب رأيهم إدخالها في نطاق ما يسمى (المفقودة المعاني).(4)‏
إن الفلاسفة الوضعيين لا يأخذون الوقائع بصلاتها العامة, ولا يعملون على إبراز طبيعة حياة المجتمع وسير عملياته العميقة, بل كمجموعة منضدة بشكل آلي, أو مجموعة من الأوضاع المسجلة والمنضدة للمادة المدروسة, لهذا لا يعطي المنهج الوضعي أكثر من وصف, أو تقرير مبسط عن الوقائع والحوادث المنفصلة والمدروسة بالملاحظة بشكل مباشر.‏
على العموم إن الفلاسفة الوضعيين يعلنون بأن فلسفتهم ليست مادية أو مثالية, وإنما هي اتجاه ثالث, لكنها معادية بالضرورة للفلسفة المادية التي تقر بالوجود الموضوعي للعالم المادي وانعكاسه في وعي الإنسان. فالوجود الموضوعي عندهم ليس إلا إحساسات ومسألة ظاهرة, وبذلك فإن عملية التحقق لا يمكن أن توجد خارج تجربة الذات, وهذا يقود بالضرورة إلى مواقع الانفرادية, أو التفسير الذاتي الفردي ( الأنا وحدية) . والواحدية هنا ألغت الكثير من القضايا المنطقية القائمة على الملاحظة والتجربة ( البديهيات) مثل مقولة ( كل إنسان فان), وهذا تناقض في نظريتهم, أو إشكالية معرفية. (5)‏
لقد قال الوضعيون الجدد التجريبيون بـ «حيادية» الوقائع, وأن تصنيفها يأتي فيزيائياً أو نفسياً .. الخ , كما أنه لم يأت وصفاً للوقائع الملموسة, وإنما إنشاءً منطقياً لها.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كافة الحقوق محفوظة 2012 © www.th3philo.comمدونة عالم الفلسفة

سياسة الخصوصية - Privacy Policy